صفحة جزء
قال ( ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم ) فالأولى لقوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } الآية . والثاني لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة فكذا بعد الممات ( وفي الجامع الصغير الوصية لأهل الحرب باطلة ) لقوله تعالى { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } الآية .


( قوله قال ويجوز أن يوصي المسلم للكافر ) قال في الكفاية : أراد به الذمي بدليل التعليل ، ورواية الجامع الصغير أن الوصية لأهل الحرب باطلة انتهى . أقول : فيه أن قوله ويجوز أن يوصي المسلم للكافر لفظ القدوري والتعليل ورواية الجامع الصغير إنما هما من كلام المصنف ، فكيف يصح جعل كلام المصنف دليلا على إرادة القدوري بالكافر الذمي دون مطلق الكافر كما هو الظاهر من لفظه ، على أن المراد بأهل الحرب في رواية الجامع الصغير هو الحربي الغير المستأمن ، لأن لفظ الجامع هكذا الوصية لحربي هو في دارهم باطلة كما ذكر في الكافي وغيره فبقي الحربي المستأمن خارجا عن مسألة الجامع الصغير ، فكيف تكون رواية الجامع الصغير دليلا على كون المراد بالكافر في لفظ الكتاب هو الذمي دون ما يعم الحربي المستأمن ، وقد صرح في المحيط وغيره بأنه يجوز أن يوصي المسلم للحربي المستأمن في ظاهر الرواية كما يجوز أن يوصي للذمي . نعم يجوز أن يكون اختصاص التعليل الذي ذكره المصنف بالذمي دليلا على حمل المصنف مراد القدوري بالكافر على الذمي ، وإن لم يكن دليلا على أن يكون مراد القدوري بذلك في نفسه هو الذمي . وأما ذكر المصنف رواية الجامع الصغير التي تختص بالحربي الغير المستأمن فلا يكون دليلا على حمل المصنف أيضا إياه على الذمي فقط كما لا يخفى .

( قوله وفي الجامع الصغير الوصية لأهل الحرب باطلة ) قال شراح الجامع الصغير : ذكر في السير الكبير ما يدل على جواز الوصية لهم ، فوجه التوفيق بين الروايتين أنه لا ينبغي أن يفعل ، وإن فعل جاز وثبت الملك لأنهم من أهل الملك انتهى . [ ص: 427 ] واقتفى أثرهم صاحب الكافي وشراح هذا الكتاب . أقول : والإنصاف أن لفظة باطلة في عبارة الجامع الصغير مما يأبى التوفيق المذكور جدا ، إذ قد تقرر عندهم أن الباطل من العقود لا يفيد الملك ، بخلاف الفاسد منها فإنه يفيد الملك عند تحقق القبض ، فلو كان المذكور في الجامع لفظة فاسدة بدل لفظة باطلة لكان لذلك التوفيق وجه وليس فليس . ثم أقول : لعل الحق هنا رأي صاحب المحيط ، فإنه لم يقبل قولهم ذكر في السير الكبير ما يدل على جواز الوصية للحربي ، بل نقل ما ذكر في السير الكبير واستنبط منه بطلان الوصية للحربي حيث قال : وفي شرح الطحاوي قالوا : وذكر في السير الكبير ما يدل على جواز الوصية للحربي .

واختلف المشايخ فيه : منهم من وفق بين ما ذكر في الأصل وبين ما ذكر في السير الكبير فقال : لا ينبغي للمسلم أن يوصي للحربي كما ذكر في الأصل ، ولكن لو فعل جازت وثبت الملك للموصى له كما ذكر في السير الكبير . ومنهم من قال في المسألة روايتان ، هكذا قالوا . والمذكور في السير الكبير أن الوصية للحربي باطلة ، والصورة المذكورة ثمة لو أوصى مسلم لحربي والحربي في دار الحرب لا تجوز فإن خرج الحربي الموصى له إلى دار الإسلام بأمان وأراد أخذ وصيته لم يكن له من ذلك شيء وإن أجازت الورثة لأن الوصية وقعت بصفة البطلان فلا تعمل إجازة الورثة فيها ، فقد نص على عدم الجواز في أصل المسألة ونص على البطلان في الفرع وأنه دليل على بطلانها ، إلى هنا لفظ المحيط فتأمل ، ثم إن صاحب الدرر والغرر بعد أن ذكر التوفيق المار الذكر في عامة الكتب وعزاه إلى الكافي والنهاية قال : أقول لا يخفى بعده ، بل وجه التوفيق ما يدل عليه قول الجامع الصغير وهو في دارهم فإنه احتراز عن حربي ليس في دارهم وهو المستأمن ، فإن الحربي ما دام في دار الحرب ممن يقاتلنا بخلاف المستأمن فإنه ليس كذلك ، وهو المراد مما ذكر في السير الكبير ، انتهى كلامه .

أقول : هذا كلام عجيب ، فإن لفظ السير الكبير على ما نقله صاحب المحيط : لو أوصى مسلم لحربي والحربي في دار الحرب لا يجوز انتهى ، فكيف يمكن أن يكون المستأمن هو المراد مما ذكر في السير الكبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية