معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ؛ ويجوز: " الزاني لا ينكح إلا زانية " ؛ و " الزانية لا ينكحها إلا زان " ؛ ولم يقرأ بها؛ وتأويل " الزاني لا ينكح إلا زانية " ؛ على معنى: " لا يتزوج " ؛ وكذلك " الزانية لا يتزوجها إلا زان " ؛ وقال قوم: إن معنى النكاح ههنا: الوطء؛ فالمعنى عندهم: " الزاني لا يطأ إلا زانية؛ والزانية لا يطؤها إلا زان " ؛ وهذا القول يبعد؛ لأنه لا يعرف شيء من ذكر النكاح في كتاب الله إلا على معنى التزويج؛ قال الله - سبحانه -: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ؛ فهذا تزويج لا شك فيه؛ وقال الله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ؛ فأعلم - عز وجل - أن عقد التزويج يسمى " النكاح " ؛ وأكثر التفسير أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين فقراء؛ كانوا بالمدينة؛ فهموا بأن يتزوجوا ببغايا كن بالمدينة؛ يزنين؛ ويأخذن الأجرة؛ فأرادوا التزويج بهن؛ ليعلنهم؛ فأنزل الله - عز وجل - تحريم ذلك؛ وقيل: إنهم أرادوا أن يسامحوهن؛ فأعلموا أن ذلك حرام. [ ص: 30 ] ويروى أن الحسن قال: إن الزاني إذا أقيم عليه الحد لا يزوج إلا بامرأة أقيم عليها الحد مثله؛ وكذلك المرأة إذا أقيم عليها الحد؛ عنده؛ لا تزوج إلا برجل مثلها؛ وقال بعضهم: الآية منسوخة؛ نسخها قوله: وأنكحوا الأيامى منكم ؛ وأكثر القول أن المعنى ههنا على التزويج؛ ويجوز " وحرم ذلك على المؤمنين " ؛ بمعنى: " وحرم الله ذلك على المؤمنين " ؛ ولم يقرأ بها؛ وهذا لفظه لفظ خبر؛ ومعناه معنى الأمر؛ ولو كان على ما قال من قال: إنه الوطء؛ لما كان في الكلام فائدة؛ لأن القائل إذا قال: الزانية لا تزني إلا بزان؛ والزاني لا يزني إلا بزانية؛ فليس فيه فائدة إلا على جهة التغليظ في الأمر؛ كما تقول للرجل الذي قد عرفته بالكذب: " هذا كذاب " ؛ تريد تغليظ أمره؛ فعلى ما فيه الفائدة؛ وما توجبه اللغة؛ أن المعنى معنى التزويج.

التالي السابق


الخدمات العلمية