معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وإذ نجيناكم من آل فرعون ؛ موضع " إذ " : نصب؛ كأنه قال: " واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون " ؛ و " آل فرعون " : أتباعه؛ ومن كان على دينه؛ وكذلك " آل الأنبياء " - صلوات الله عليهم -: من كان على دينهم؛ وكذلك قولنا: " صلى الله على محمد وآله " ؛ معنى " آله " : من اتبعه من أهل بيته؛ وغيرهم؛ ومعنى خطابهم ههنا: تذكيرهم بالنعمة عليهم في أسلافهم؛ كما وصفنا. وقوله - عز وجل -: يسومونكم سوء العذاب ؛ معنى " يسومونكم " ؛ في اللغة: يولونكم؛ ومعنى " سوء العذاب " : شديد العذاب؛ وإن كان العذاب كله سوءا؛ فإنما نكر في هذا الموضع لأنه أبلغ ما يعامل به مرعي؛ فلذلك قيل: " سوء العذاب " ؛ أي: ما يبلغ في الإساءة ما لا غاية بعده؛ وفسره بقوله: يذبحون أبناءكم ؛ والقراءة المجمع عليها: " يذبحون " ؛ بالتشديد؛ ورواية شاذة: " يذبحون أبناءكم " ؛ والقراءة المجمع عليها أبلغ؛ لأن " يذبحون " ؛ للتكثير؛ و " يذبحون " ؛ يصلح أن يكون للقليل؛ وللكثير؛ فمعنى التكثير ههنا أبلغ؛ و " أبناءكم " : جمع " ابن " ؛ والأصل كأنه إنما جمع " بني " ؛ و " بنو " ؛ ويقال: " ابن بين البنوة " ؛ فهي تصلح أن تكون " فعل " ؛ و " فعل " ؛ كأنه أصله " بناية " ؛ والذين قالوا: " بنون " ؛ كأنهم جمعوا " بنيا " : " بنون " ؛ ف " أبناء " ؛ جمع " فعل " ؛ و " فعل " .

و " بنت " ؛ يدل على أنه يستقيم أن يكون " فعلا " ؛ ويجوز أن يكون " فعل " ؛ نقلت إلى " فعل " ؛ كما نقلت " أخت " ؛ من " فعل " ؛ إلى " فعل " ؛ فأما " بنات " ؛ فهو ليس بجمع " بنت " ؛ على لفظها؛ إنما ردت إلى أصلها؛ فجمعت " بنات " ؛ على أن الأصل في " بنت " : " فعلة " ؛ كأنها مما حذفت لامه؛ [ ص: 131 ] والأخفش يختار أن يكون المحذوف من " ابن " : الواو؛ قال: لأن أكثر ما تحذف الواو بثقلها؛ والياء تحذف أيضا للثقل؛ قال أبو إسحاق : والدليل على ذلك أن " يدا " ؛ قد أجمعوا على أن المحذوف منه الياء؛ ولهم دليل قاطع على الإجماع؛ يقال: " يديت إليه يدا " ؛ و " دم " ؛ محذوف منه الياء؛ يقال: " دم " ؛ و " دميان " ؛ قال الشاعر:


فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين



و " البنوة " ؛ ليست بشاهد قاطع في الواو؛ لأنهم يقولون: " الفتوة " ؛ و " الفتيان " ؛ في التثنية؛ قال - عز وجل -: ودخل معه السجن فتيان ؛ ف " ابن " ؛ يجوز أن يكون المحذوف منه الواو؛ أو الياء؛ وهما عندي متساويان.

وقوله - عز وجل -: وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ؛ [ ص: 132 ] يعني: في النجاة من آل فرعون؛ و " البلاء " ؛ ههنا: النعمة؛ يروى عن الأحنف أنه قال: " البلاء؛ ثم الثناء " ؛ أي: الإنعام؛ ثم الشكر؛ قال زهير :


جزى الله بالإحسان ما فعلا بنا ...     وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو



وقال الله - عز وجل -: وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا

التالي السابق


الخدمات العلمية