معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض ؛ " يخرج " ؛ مجزوم؛ وفيه غير قول: قال بعض النحويين: المعنى: " سله؛ وقل له: أخرج لنا؛ يخرج لنا هو " ؛ وقال في قوله (تعالى): وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ؛ قالوا: المعنى: " قل لهم: قولوا التي هي أحسن؛ أن يقولوا " ؛ وقال قوم: معنى " يخرج لنا " ؛ معنى الدعاء؛ كأنه قال: أخرج لنا؛ وكذلك قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ؛ المعنى: " قل لعبادي: أقيموا " ؛ ولكنه صار قبله " ادع " ؛ و " قل " ؛ فجعل بمنزلة جواب الأمر؛ وكلا القولين مذهب؛ ولكنه على الجواب أجود؛ لأن ما في القرآن من لفظ الأمر الذي ليس معه جازم؛ مرفوع؛ قال الله - عز وجل -: تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله ؛ ثم جاء بعد تمام الآية: " يغفر لكم " ؛ المعنى: آمنوا بالله ورسوله؛ وجاهدوا؛ يغفر لكم. [ ص: 143 ] وقوله - عز وجل -: من بقلها وقثائها وفومها ؛ في " القثاء " ؛ لغتان؛ يقال: " القثاء " ؛ و " القثاء يا هذا " ؛ وقد قرأ بعضهم: " قثائها " ؛ بالضم؛ والأجود الأكثر: " وقثائها " ؛ بالكسر؛ " وفومها " : " الفوم " : الحنطة؛ ويقال: الحبوب؛ وقال بعض النحويين: إنه يجوز عنده " الفوم " ؛ ههنا: " الثوم " ؛ وهذا ما لا يعرف؛ أن الفوم: الثوم؛ وههنا ما يقطع هذا؛ محال أن يطلب القوم طعاما لا بر فيه؛ والبر أصل الغذاء كله؛ ويقال: " فوموا لنا " ؛ أي: " اخبزوا لنا " ؛ ولا خلاف عند أهل اللغة أن الفوم: الحنطة؛ وسائر الحبوب التي تخبز يلحقها اسم الفوم. وقوله - عز وجل -: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ؛ يعني أن المن والسلوى أرفع من الذي طلبتم؛ و " أدنى " ؛ القراءة فيه بغير الهمز؛ وقد قرأ بعضهم: " أدنأ بالذي هو خير " ؛ وكلاهما له وجه في اللغة؛ إلا أن ترك الهمزة أولى بالاتباع؛ أما " أدنى " ؛ غير مهموز؛ فمعناه: الذي هو أقرب؛ [ ص: 144 ] وأقل قيمة؛ كما تقول: " هذا ثوب مقارب " ؛ فأما الخسيس؛ فاللغة فيه أنه مهموز؛ يقال: " دنوء " ؛ " دناءة " ؛ و " هو دنيء " ؛ بالهمزة؛ ويقال: " هذا أدنأ منه " ؛ بالهمزة.

وقوله - عز وجل -: اهبطوا مصرا ؛ الأكثر في القراءة إثبات الألف؛ وقد قرأ بعضهم: " اهبطوا مصر فإن لكم " ؛ بغير ألف؛ فمن قرأ: " مصرا " ؛ بالألف؛ فله وجهان: جائز أن يراد بها مصرا من الأمصار؛ لأنهم كانوا في تيه؛ وجائز أن يكون أراد " مصر " ؛ بعينها؛ فجعل " مصرا " ؛ اسما للبلد؛ فصرف لأنه مذكر؛ سمي به مذكر؛ وجائز أن يكون " مصر " ؛ بغير ألف على أنه يريد " مصرا " ؛ كما قال - عز وجل -: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ؛ وإنما لم يصرف لأنه للمدينة؛ فهو مذكر سمي به مؤنث.

وقوله - عز وجل -: وضربت عليهم الذلة والمسكنة ؛ " الذلة " : الصغار؛ و " المسكنة " : الخضوع؛ واشتقاقه من " السكون " ؛ إنما يقال: " مسكين " ؛ للذي أسكنه الفقر؛ أي: قلل حركته. وقوله - جل وعز -: وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ؛ [ ص: 145 ] يقال: " بؤت بكذا وكذا " ؛ أي: احتملته. وقوله - جل وعز -: ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ؛ معنى ذلك - والله أعلم -: الغضب حل بهم بكفرهم. وقوله - عز وجل -: ويقتلون النبيين بغير الحق ؛ القراءة المجمع عليها في " النبيين " ؛ و " الأنبياء " ؛ و " البرية " ؛ طرح الهمزة؛ وجماعة من أهل المدينة يهمزون جميع ما في القرآن من هذا؛ فيقرؤون: " النبيئين بغير حق " ؛ و " الأنبئاء " ؛ واشتقاقه من " نبأ؛ و " أنبأ " ؛ أي: أخبر؛ والأجود ترك الهمزة؛ لأن الاستعمال يوجب أن ما كان مهموزا من " فعيل " ؛ فجمعه " فعلاء " ؛ مثل: " ظريف " ؛ و " ظرفاء " ؛ و " نبيء " ؛ و " نبآء " ؛ فإذا كان من ذوات الياء؛ فجمعه " أفعلاء " ؛ نحو: " غني " ؛ و " أغنياء " ؛ و " نبي " ؛ و " أنبياء " ؛ وقد جاء " أفعلاء " ؛ في الصحيح؛ وهو قليل؛ قالوا: " خميس " ؛ و " أخمساء " ؛ و " أخمس " ؛ و " نصيب " ؛ وأنصباء " ؛ فيجوز أن يكون " نبي " ؛ من " أنبأت " ؛ مما ترك همزه لكثرة الاستعمال؛ ويجوز أن يكون من " نبأ؛ ينبؤ " ؛ إذا ارتفع؛ فيكون " فعيلا " ؛ من الرفعة؛ وقوله - عز وجل -: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم ؛ [ ص: 146 ] لا يجوز أن يكون لأحد منهم إيمان إلا مع إيمانه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ودليل ذلك قوله - عز وجل -: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نـزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم ؛ فتأويله: من آمن بالله واليوم الآخر؛ وآمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلهم أجرهم؛ وجاز أن يقال: " فلهم " ؛ لأن " من " ؛ لفظها لفظ الواحد؛ وتقع على الواحد؛ والاثنين؛ والجمع؛ والتأنيث؛ والتذكير؛ فيحمل الكلام على لفظها؛ فيوحد ويذكر؛ ويحمل على معناها فيثنى؛ ويجمع؛ ويؤنث؛ قال الشاعر:


تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان



و " هادوا " ؛ أصله في اللغة: تابوا؛ وكذلك قوله - عز وجل -: إنا هدنا إليك ؛ أي: تبنا إليك؛ وواحد " النصارى " ؛ قيل فيه قولان: قالوا: يجوز أن يكون واحدهم " نصران " ؛ كما ترى؛ فيكون " نصران " ؛ و " نصارى " ؛ على وزن " ندمان " ؛ و " ندامى " ؛ قال الشاعر: [ ص: 147 ] فكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما أسجدت نصرانة لم تحنف

ف " نصرانة " ؛ تأنيث " نصران " ؛ ويجوز أن يكون " النصارى " ؛ واحدهم " نصري " ؛ مثل: " بعير مهري " ؛ و " إبل مهارى " ؛ ومعنى " الصابئين " : الخارجين من دين إلى دين؛ يقال: " صبأ فلان - إذا خرج من دينه - يصبأ يا هذا " ؛ ويقال: " صبأت النجوم " ؛ إذا ظهرت؛ و " صبأ نابه " ؛ إذا خرج.

التالي السابق


الخدمات العلمية