معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 313 ] سورة " الأعراف "

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله - عز وجل - : المص ؛ قد فسرنا هذه الحروف في أول سورة " البقرة " ؛ إلا أنا أعدنا ههنا شيئا من تفسيرها لشيء في إعرابها؛ والذي اخترنا في تفسيرها قول ابن عباس : إن " الـمـص " ؛ معناه : " أنا الله أعلم وأفصل " ؛ وقال بعض النحويين : موضع هذه الحروف رفع بما بعدها؛ قال : المص كتاب ؛ " كتاب " ؛ مرتفع بـ " الـمـص " ؛ وكأن معناه : " الـمـص حروف كتاب أنزل إليك " ؛ وهذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب; فقوله : الم الله لا إله إلا هو ؛ يدل على أن " الـم " ؛ لا رافع لها على قوله؛ وكذلك : يس والقرآن الحكيم ؛ وكذلك : حم عسق كذلك يوحي إليك ؛ وقوله : حم والكتاب المبين إنا أنـزلناه ؛ فهذه الأشياء تدل على أن الأمر على غير ما ذكر؛ ولو كان كذلك أيضا لما كان " الـم " ؛ مكررا؛ ولا " حـم " ؛ مكررا. [ ص: 314 ] وقد أجمع النحويون على أن قوله - عز وجل - : كتاب أنـزل إليك ؛ مرفوع بغير هذه الحروف؛ المعنى : " هذا كتاب أنزل إليك " ؛ وهو مجمع معهم على أن ما قالوه جائز؛ فيجب اتباعهم من قوله وقولهم؛ ويجب على قائل هذا القول التثبيت على مخالفتهم؛ ولو كان كما يصف لكان مضمرا اسمين؛ فكان المعنى : " الـمص بعض حروف كتاب أنزل إليك " ؛ فيكون قد أضمر المضاف وما أضيف إليه؛ وهذا ليس بجائز؛ فإن قال قائل : قد يقول : " ألف با تا ثا ثمانية وعشرون حرفا " ؛ وإنما ذكرت أربعة؛ فمن أين جاز ذلك؟ قيل : قد صار اسم هذه " ألف با تا ثا " ؛ كما أنك تقول : " الحمد سبع آيات " ؛ فـ " الحمد " ؛ اسم لجملة السورة؛ وليس اسم الكتاب " الـم " ؛ ولا اسم القرآن " طـسـم " ؛ وهذا فرق بين؛ وهذه الحروف كما وصفنا حروف هجاء مبنية على الوقف؛ وهي في موضع جمل؛ والجملة - إذا كانت ابتداء وخبرا فقط - لا موضع لها؛ فإذا كان معنى " كهيعص " ؛ معنى الكاف : " كاف " ؛ ومعنى الهاء : " هاد " ؛ ومعنى الياء والعين من " عليم " ؛ ومعنى الصاد من " صدوق " ؛ وكان معنى " الـم " : " أنا الله أعلم " ؛ فإنما موضعها كموضع الشيء الذي هو تأويل لها؛ ولا موضع في الإعراب لقولك : " أنا الله أعلم " ؛ ولا لقولك : " هو هاد " ؛ و " هو كاف " ؛ إنما يرتفع بعض هذا ببعض؛ والجملة لا موضع لها. [ ص: 315 ] وقوله : فلا يكن في صدرك حرج منه ؛ فمعنى " الحرج " : الضيق؛ وفيه وجهان؛ أحدهما أن يكون : " لا يضق صدرك بالإبلاغ ولا تخافن " ؛ لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " رب إني أخاف أن يثلغوا رأسي؛ فيجعلوه كالخبزة " ؛ فأعلم الله - عز وجل - أنه في أمان منهم؛ فقال : والله يعصمك من الناس ؛ وقال : فلا يكن في صدرك حرج منه ؛ أي : فلا يضيقن صدرك من تأدية ما أرسلت به؛ وقيل أيضا : " فلا تشكن فيه؛ وكلا التفسيرين له وجه؛ فأما تأويل " فلا تشكن " ؛ وتأويل فلا تكونن من الممترين ؛ وتأويل : فإن كنت في شك مما أنـزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؛ فإن ما خوطب به - صلى الله عليه وسلم - فهو خطاب لأمته؛ فكأنه بمنزلة " فلا تشكوا ولا ترتابوا " ؛ وقوله : لتنذر به ؛ معناه التقديم؛ والمعنى - والله أعلم - : " كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين؛ فلا يكن في صدرك حرج منه " ؛ و " ذكرى " ؛ يصلح أن يكون في موضع رفع؛ ونصب؛ وجر؛ فأما النصب فعلى قولك : " أنزل لتنذر به وذكرى للمؤمنين " ؛ أي : " ولتذكر به ذكرى " ؛ لأن في الإنذار معنى التذكير. [ ص: 316 ] ويجوز أن يكون " وهو ذكرى للمؤمنين " ؛ كقولك : " وهو ذكر للمؤمنين " ؛ فأما الجر فعلى معنى " لتنذر " ؛ لأن معنى " لتنذر " : " لأن تنذر " ؛ فهو في موضع جر؛ المعنى للإنذار؛ والذكرى؛ فأما " ذكرى " ؛ فمصدر فيه ألف التأنيث؛ بمنزلة " دعوت دعوى " ؛ وبمنزلة " رجعته رجعى " ؛ و " اتقيت تقوى " ؛ إلا أنه اسم في موضع المصدر.

التالي السابق


الخدمات العلمية