فصل 
والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وهو قسمان: مفهوم موافقة. ومفهوم مخالفة. فالأول: ما يوافق حكمه المنطوق، فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب. كدلالة: 
فلا تقل لهما أف  - على تحريم الضرب لأنه أشد. وإن كان مساويا سمي لحن الخطاب، أي معناه، كدلالة: 
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما  - على تحريم الإحراق، لأنه مساو للأكل في الإتلاف.  
[ ص: 171 ] واختلف هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية، مجازية أو حقيقية، على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية. والثاني: ما يخالف حكمه المنطوق، وهو أنواع: مفهوم صفة، نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا، نحو: 
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا  . مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره، فيجب قبول خبر الواحد العدل. 
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد  . 
الحج أشهر معلومات ، أي فلا يصح الإحرام به في غيرها. 
فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، أي فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب. 
فاجلدوهم ثمانين جلدة ، أي لا أقل ولا أكثر. وشرط نحو: 
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن  . أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن. وغاية، نحو: 
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ، أي فإذا نكحته تحل للأول بشرطه. وحصر، نحو: 
لا إله إلا الله  . 
أنما إلهكم إله واحد ، أي فغيره ليس بإله. 
فالله هو الولي أي فغيره ليس بولي. 
لإلى الله تحشرون أي لا إلى غيره. 
إياك نعبد ، أي لا غيرك. واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة. والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط: منها: ألا يكون المذكور خرج للغالب، ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله: 
وربائبكم اللاتي في حجوركم ، فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج، فلا مفهوم له، لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن. وألا يكون موافقا للواقع، ومن ثم لا مفهوم لقوله:  
[ ص: 172 ] ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له  . وقوله: 
لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين  . وقوله: 
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا  . والاطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول. 
فائدة قال بعضهم: الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها، أو بفحواها، أو بمفهومها، أو باقتضائها وضرورتها، أو بمعقولها المستنبط منها، حكاه 
ابن الحصار،  وقال: هذا كلام حسن. قلت: فالأول دلالة المنطوق. والثاني دلالة المفهوم. والثالث دلالة الاقتضاء. والرابع دلالة الإشارة.