صفحة جزء
[ ص: 102 ] ( فصل ) [ ص: 103 - 104 ] جاز لمطلوب منه سلعة : أن يشتريها ليبيعها بمال ، ولو بمؤجل بعضه ، . .


( فصل ) في بيان أحكام مسائل بيع العينة وأصلها عونة لأنها من العون قلبت الواو ياء لسكونها عقب كسر سمي بها لاستعانة البائع بالمشتري على تحصيل مقصوده أو لحصول العين أي النقد لبائعها . أبو عمر بيع العينة هو بيع ما ليس عند بائعه . ابن عرفة مقتضى الروايات أنه أخص مما ذكر فالصواب أنه البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها . عياض هو بيع السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم شراؤها منه بأقل منه نقدا أو شراؤها بحضرة طالبها من أجنبي ، ثم بيعهما لطالبها بثمن أكثر منه إلى أجل ، ثم بيعها هذا المشتري الأخير لبائعها الأول نقدا بأقل مما اشتراها به . وخفف بعضهم هذا الوجه ورآه أخف من الأول .

وقسم ابن رشد بيع العينة إلى ثلاثة أقسام جائز ومكروه وممنوع ، وزاد في التنبيهات رابعا وهو المختلف فيه ، فالجائز : أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة فيقول له : هل عندك سلعة كذا أبتاعها منك فيقول : لا فينقلب عنه على غير مراوضة ولا مواعدة فيشتري المسئول تلك السلعة التي سأل عنها ثم يلقاه فيخبره أنه قد اشترى السلعة التي سأله عنها فيبيعها منه بما شاء من نقد أو نسيئة . ا هـ . ونحوه في التنبيهات عن مطرف ابن حبيب ما لم يحصل تعرض أو مواعدة أو عادة . قال : وكذا ما اشتراه الرجل لنفسه بعده لمن يشتريه منه بنقد أو كالئ ولا يواعد في ذلك أحد يشتريه منه ولا يبيعه له . [ ص: 103 ] وكذلك الرجل يشتري سلعة لحاجته ثم يبدو له فيبيعها أو يبيع دار سكناه ثم تشق عليه النقلة منها فيشتريهاأو لجارية ثم تتبعها نفسه ، فهؤلاء إن استقالوا أو زادوا في الثمن فلا بأس به . والمكروه : أن يقول : اشتر سلعة وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير أن يراوضه على قدر الربح قاله في المقدمات . وفي التنبيهات المكروه أن يقول : اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح ولكن يعرض به . ابن حبيب فهذا يكره فإن وقع مضى ، ورواه ابن نافع عن مالك رضي الله تعالى عنهما قال : ولا أبلغ به الفسخ .

قال في المقدمات : والمحظور أن يراوضه على الربح فيقول : اشتر سلعة كذا بكذا وكذا وأنا أربحك فيها وأبتاعها منك بكذا ونحوه في البيان . وفي التنبيهات الحرام الذي هو ربا صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة الذي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل ثم على ثمنه الذي يشتريها به منه بعد ذلك نقدا أو يراوضه على ربح السلعة التي يشتريها له من غيره فيقول : أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا أو للعشرة كذا . ابن حبيب هذا حرام ا هـ . والرابع المختلف فيه الذي زاده عياض : ما اشتري ليباع بثمن بعضه مؤجل وبعضه معجل فظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه ، وفي العتبية كراهته لأهل العينة ا هـ ، وفيها عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أتى علينا زمان لا يرى فيه أحد أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم ثم ذهب فكانت مواساة السلف ثم ذهبت فكانت العينة . ابن رشد يشهد له خيركم قرني ثم الذين يلونهم .

وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا تبايع الناس بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله تعالى أنزل الله تعالى عليهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم } . وذكر المصنف هذه الأقسام مدخلا ما زاد عياض في الجائز تبعا لظاهر الكتاب [ ص: 104 ] والأمهات مبتدئا بالجائز فقال ( جاز ل ) شخص ( مطلوب منه سلعة ) ليشتريها طالبها وليست عنده وهو من أهل العينة وفاعل جاز ( أن يشتريها ) أي المطلوب منه السلعة ( ليبيعها ) أي المطلوب منه السلعة لطالبها منه ( بثمن ) وفي نسخة بمال ، وعلى كل فهو صلة يشتري لا يبيع إن اشتراها المطلوب منه بثمن كله حال أو كله مؤجل اتفاقا ، بل ( ولو ب ) ثمن ( مؤجل بعضه ) لأجل معلوم وبعضه معجل ، ظاهره أنه مفرع على مسألة المطلوب منه سلعة كما قد يوهمه لفظ عياض ، إذ قد قال : الوجه الرابع المختلف فيه ما اشتري ليباع بثمن بعضه معجل وبعضه مؤجل فظاهر مسائل الكتاب والأمهات جوازه .

وفي العتبية كراهته لأهل العينة ا هـ ، فقد يسبق للوهم أن قوله بثمن متعلق بقوله ليباع وليس ذلك بمراد إذ لم يفرضوها هكذا ، بل زاد عياض بعده متصلا به ما نصه قال ابن حبيب : إذا اشترى طعاما أو غيره على أن ينقد بعض ثمنه ويؤخر بعضه إلى أجل فإن كان اشتراه لبيعه كله لحاجته لثمنه فلا خير فيه ، وكأنه إذا باعه بعشرة نقدا وعشرة إلى أجل ، قال له : خذه فبع منه بما تريد أن تنقدني وما بقي فهو لك ببقية الثمن إلى الأجل ، وإنما يعمل هذا أهل العينة وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه فروجع فيها غير مرة فقال : أنا قلته قاله ربيعة وغيره قبلي . قال محمد بن لبابة يعني بغيره ابن هرمز . وذكر ابن عبدوس نحوه من رواية ابن وهب وابن نافع عن مالك رضي الله تعالى عنهم ونزل ابن لبابة ما جاء في ذلك من الجواز والمنع على التفريق بين أهل وغيرهم ، فجوز في غير أهل العينة ، ومنع في حقهم . وفي رسم تسلف من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال سئل مالك رضي الله تعالى عنه عن رجل من أهل العينة باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقد من عنده دينارا فكره ذلك وقال : لست أول من كرهه فقد كرهه ربيعة وغيره .

ابن رشد هذه بيعة واحدة صحيحة في ظاهرها إذ يجوز للرجل بيع سلعته بدينار نقد أو دينار إلى أجل فلا يتهم بالفساد فيها إلا من علم ذلك من سيرته وهم [ ص: 105 ] أهل العينة ، والذي يخشى في ذلك أن يكون الذي تراوضا عليه وقصدا إليه أن يبيع منه الطعام على أن يبيع منه بدينار فيدفعه إليه ويكون الباقي له بكذا وكذا دينارا إلى أجل وذلك غرر إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار . وقد قال بعض أهل العلم : إنه لو دفع إليه الدينار من ماله لم يكن بذلك بأس ، وفي سماع سحنون أنه لا يجوز وإن دفع إليه الدينار من عنده لأنه يخلفه من الطعام يريد أن التهمة لا ترتفع عنه بذلك لأنه إن كان للبيع وقع على أن ينقده الدينار من ثمن الطعام فلا يصلحه دفعه من عنده كما أنه إذا وقع على الصحة فلا يفسده نقده من ثمن الطعام . ا هـ . وإذا تأملت هذه النقول علمت أن كلام عياض المذكور فيه تقديم وتأخير ، وأن تقديره ما اشتري بثمن بعضه مؤجل وبعضه ليباع ، فقوله بثمن متعلق ب اشتري لا ب يباع فهي إذا مسألة أخرى غير مفرعة على مسألة المطلوب منه سلعة ، وقد نقل في التوضيح كلام عياض ولم يزد ما بعده مما فيه البيان لما قررنا والظن بالمصنف أنه لا يفهمها على غير ما فرضها عليه الأئمة ، فهذا عجيب فتدبره ، وقد نقلها ابن عرفة على ما فرضها عليه الأئمة وذكر نصه فانظره .

البناني وقد تبين به أن على المصنف دركا من وجهين تفريعه المسألة على مسألة المطلوب منه سلعة وليست مفرعة عليها وأن هذه مقيدة بما اشتري ليباع منه للحاجة وقد أخل بالقيد والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية