صفحة جزء
[ ص: 30 ] ( باب ) : يرفع الحدث وحكم الخبث بالمطلق ، وهو ما صدق عليه [ ص: 31 ] اسم ماء بلا قيد وإن جمع من ندى أو ذاب بعد جموده أو كان سؤر بهيمة أو حائض أو جنب أو فضلة طهارتهما [ ص: 32 ] أو كثيرا خلط بنجس لم يغيره أو شك في مغيره هل يضر ، أو تغير بمجاوره وإن بدهن لاصق أو برائحة قطران وعاء مسافر ، [ ص: 33 ] أو بمتولد منه ; أو بقراره كملح . أو بمطروح ولو قصدا من تراب أو ملح والأرجح السلب بالملح . [ ص: 34 ] وفي الاتفاق على السلب به إن صنع تردد .


[ ص: 30 ] ( باب ) : أي ألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة وهي أحكام الطهارة وما يناسبها وهي رفع مانع الصلاة ونحوها بالماء ، أو الصعيد وهذا هو المكلف به وتطلق أيضا على صفة تقديرية شرط لصحة الصلاة ونحوها أي يقدر الشارع قيامها بالحي ، والجماد غير المسكر وهي الأصلية وبالآدمي ، أو غيره عند رفع المانع عنه بما ذكر .

( يرفع ) بضم المثناة تحت وسكون الراء وفتح الفاء أي يزال ( الحدث ) أي الوصف المانع من الصلاة ونحوها المقدر شرعا قيامه بجميع البدن ، أو أعضاء الوضوء فقط عند موجبه .

( وحكم ) أي الوصف المانع من ذلك المقدر شرعا قيامه ب ( الخبث ) أي ذات النجاسة وما تلطخ بها من بدن آدمي ، أو غيره وصلة " يرفع " ( بالمطلق ) بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح اللام أصله مفعول " أطلق " ، ثم نقل شرعا لجنس الماء الطهور ، والرفع إما غسل ، أو مسح أو نضح ، والمسح إما أصلي كمسح الرأس والأذنين في الوضوء ، وإما بدلي وهذا إما اختياري كمسح الخف فيه ، وإما اضطراري كمسح الجبيرة ، والغسل إما لجميع البدن أو لأعضاء الوضوء سوى الرأس ، والأذنين ، أو لما تلطخ بالنجاسة من بدن آدمي ، أو غيره .

فإن قلت : الاقتصار في مقام التبيين يفيد الحصر وهو ممنوع ; إذ الصعيد الطاهر يرفع الحدث وحكم الخبث عن محل الاستجمار وملبوس الرجل بكسر الراء والسيف الصقيل وذيل المرأة المطال للستر ، .

قلت : المراد الحصر باعتبار المتفق عليه ، وهذه مختلف فيها بالرفع وعدمه مع العفو .

( وهو ) أي تعريف المطلق ( ما ) أي شيء جنس شمل المطلق وغيره ( صدق ) بفتح الصاد والدال المهملين أي صح أن يحصل ( عليه ) أي الشيء المستعمل فيه لفظا ، وفاعل [ ص: 31 ] صدق " ( اسم ماء ) بالمد ، وإضافته للبيان أي اسم هو لفظ ماء فصل مخرج كل ما لم يصح تسميته ماء ، جامدا كان كالصعيد ، أو مائعا كالزيت ، والعسل ، وصلة " صدق " .

( بلا قيد ) فصل ثان مخرج ما لا يصدق عليه الماء إلا بقيد نحو ماء الورد وماء الزهر وماء الريحان وشمل ماء البحر وماء المطر وماء العين وماء الغدير وماء الندى ونحوها لصحة حمل الماء عليها بلا قيد ، ولما توهم عدم شموله الندى المجموع والذائب بعد جموده بالغ عليهما بقوله ( وإن جمع ) بضم فكسر أي المطلق في يد رافع الحدث وحكم الخبث ، أو غيرها ، وصلة جمع ( من ندى ) بفتح النون مقصور رأي بلل نازل من السماء آخر الليل على ورق شجر أو زرع ، أو غيرهما فهو مطلق يرفع الحدث وحكم الخبث ولو تغير ريحه ، أو لونه أو طعمه ، أو اثنان ، أو الثلاثة بما جمع من فوقه ; لأنه تغير بالقرار وهو معفو عنه ( أو ذاب ) أي تميع المطلق بنفسه ، أو تسخينه بشمس ، أو نار ( بعد جموده ) كثلج نزل من السماء متحللا كرغوة صابون جمد على الأرض أو غيرها حتى صار كالحجر ، ثم ذاب ، وبرد بفتح الموحدة والراء نزل منها جامدا كالحجر ثم ذاب ، وجليد نزل منها متصلا بخيط ، ثم ذاب ، وماء جمد من شدة البرد ، ثم ذاب بالتسخين .

( أو كان ) أي المطلق ( سؤر ) بضم السين المهملة وسكون الهمز يخفف بإبداله واوا أي باقيا بعد شرب ( بهيمة ) ولو محرمة أو جلالة ; إذ الكلام الآن في الطهور الشامل للمباح ، والمكروه هو المحرم كماء آبار نحو ثمود ( أو ) سؤر ( حائض ) ونفساء ( وجنب ) ولو كافرين ، أو شاربي خمر شربا منه معا وأولى أحدهما ( أو ) كان المطلق ( فضلة ) بفتح الفاء وسكون الضاد المعجمة أي بقية ( طهارتهما ) بضم الطاء المهملة أي الباقي بعد اغتسال الحائض ، والجنب معا من الماء وأولى الباقي بعد اغتسال أحدهما فإضافة " فضلة " للبيان . [ ص: 32 ] أو ) كان المطلق ( كثيرا ) أي زائدا على إناء غسل وكذا اليسير على الراجح ( خلط ) بضم فكسر أي الكثير ( بنجس ) وأولى بطاهر ( لم يغير ) النجس أحد أوصاف الماء فإن غيره سلب طهوريته وطاهريته .

( أو ) كان المطلق متغيرا يقينا و ( شك ) بضم الشين المعجمة أي تردد على السواء ( في ) ضرر ( مغيره ) لكونه مما يفارق الماء غالبا وعدمه لكونه مما لا يفارقه غالبا فقوله ( هل يضر ) المغير الماء أي يسلب طهوريته لمفارقته له غالبا كالطعام والدم ، أو لا يضره ولا يسلب طهوريته لكونه لا يفارقه غالبا كقراره المتولد منه بيان لمتعلق الشك ، وإشارة للمضاف المتقدم وأولى المتوهم ضرر مغيره ، أو المظنون أو المشكوك ، أو المتوهم تغيره مع الشك في ضرر مغيره ، أو توهمه فإن ظن ضرر مغيره فليس طهورا ، أو إن تيقن ضرر مغيره وشك في طهارته وعدمها فطاهر غير طهور وسواء كان الماء قليلا ، أو كثيرا .

( أو تغير ) بفتحات مثقلا ريح المطلق ( بمجاوره ) بالهاء ضمير المطلق مضاف إليها اسم الفاعل ، أو بالتاء من بنية المصدر كورد على شباك قلة لم يصل إليها ماؤها ، أو جيفة على شط غدير كذلك ولو فرض بقاء تغير ريحه بعد إبعاد مجاوره عنه وأما اللون والطعم فلا يتغيران بالمجاورة وإن حصل دل على الممازجة فليس مطلقا خلافا لعج ومن تبعه هذا إن تغير بمجاور غير ملاصق بل ( وإن ) تغير ريحه ( بدهن ) بضم الدال المهملة كزيت وشحم ( لاصق ) الدهن ظاهر الماء ولم يمتزج به قاله ابن عطاء الله وابن بشير وابن الحاجب وابن راشد وخليل وارتضاه الحطاب .

وقال ابن عرفة : ظاهر الروايات عدم اغتفاره وارتضاه ابن مرزوق وعج وتلامذته ، وأما تغير اللون ، أو الطعم به فيسلب الطهورية اتفاقا وأولى بالممازج .

( أو ) تغير ريحه ( برائحة قطران وعاء مسافر ) أو مقيم صب الماء فيه بعد زوال جرم القطران منه وكذا تغير رائحته بجرم القطران على ما لسند ، وأما تغير طعمه ، أو لونه فيسلبها سفرا وحضرا ولو لم يوجد غيره كما حرره الحطاب وغيره وهذا إن لم يكن دباغا [ ص: 33 ] للوعاء ، وإلا فلا يسلبها ولو غير جميع أوصافه تغييرا فاحشا كغيره إن كان دباغا بقدر الحاجة وألحقوا به الدهانات الغالبة في أوعية البوادي ، وقاعدة الاغتفار عسر الاحتراز .

( أو ) تغير المطلق لونا ، أو طعما ، أو رائحة ، أو اثنين أو الجميع ( بمتولد ) بضم ففتح فكسر مثقلا اسم فاعل " تولد " ( منه ) أي المطلق كطحلب بضم الطاء واللام وفتحها ولو نزع منه وألقي فيه ثانيا ، أو في غيره ما لم يطبخ وكسمك حي فإن تغير بسمك ميت فليس بطهور وفي المتغير بروثه تردد لعج ومن بعده .

( أو ) تغير المطلق ( بقراره ) الذي استقر فيه ( كملح ) ومغرة وكبريت وشب وزرنيخ وطفل بمعدنه ( أو ) تغير المطلق ( بمطروح ) فيه من غير قصد آدمي بريح ، أو غيره بل ( ولو ) كان طرحه فيه ( قصدا ) أي مقصودا من آدمي وأشار ب " ولو " إلى أن في المذهب قولا بضرر المطروح قصدا وهو للمازري وبين المطروح بقوله ( من تراب أو ملح ) جمعهما ; لأن التراب أقرب أجزاء الأرض إلى الماء ، والملح أبعدها منه فيعلم قياس ما بينهما عليهما وسواء كان الملح معدنيا ، أو مصنوعا من أجزاء الأرض هذا هو المعتمد وهو قول ابن أبي زيد .

( والأرجح ) أي الذي اختاره ابن يونس من خلاف المتقدمين ( السلب ) لطهورية الماء ( بالملح ) المطروح فيه قصدا ، مصنوعا كان ، أو معدنيا وهذا قول القابسي وهو ضعيف .

وقال الباجي : المعدني لا يسلبها ، والمصنوع يسلبها ، وضعف أيضا ، واختلف المتأخرون عن هؤلاء الثلاثة فمنهم من رد قولي ابن أبي زيد .

والقابسي إلى قول الباجي وجعل المذهب على قول وهو أن المعدني لا يسلبها اتفاقا ، والمصنوع يسلبها اتفاقا ومنهم من لم يردهما إليه وأبقاهما على إطلاقهما وجعل المذهب على ثلاثة أقوال فالخلاف فيهما ، وإلى هذا الخلاف أشار المصنف بقوله : [ ص: 34 ] وفي الاتفاق على السلب ) لطهورية الماء ( به ) أي الملح ( إن صنع ) بضم فكسر أي الملح من أجزاء الأرض كتراب ، ومفهوم الشرط أن المعدني لم يتفقوا على السلب به وهذا فهم التوفيق بين الأقوال الثلاثة وردها لقول واحد وهذا أحد شقي التردد والشق الثاني طواه المصنف وتقديره : وعدم الاتفاق على السلب به إن صنع ففيه الخلاف كالمعدني وهذا فهم من أبقى الأقوال على ظاهرها ولم يردها لقول واحد ومبتدأ ، وفي الاتفاق إلخ .

( تردد ) للمتأخرين الراجح منه عدم الاتفاق على السلب بالمصنوع ففيه الخلاف كالمعدني والراجح عدم السلب بهما كما تقدم . فإن قلت : هذا التردد ليس من تردد المتأخرين في النقل عن المتقدمين ولا في الحكم لعدم نص المتقدمين عليه ; لأن أبا زيد والقابسي والباجي من المتأخرين ولأن من بعدهم لم يختلف في النقل عنهم ولا في الحكم لعدم نصهم عليه فهذا التردد لم يجر على قاعدة المصنف التي أسسها في الخطبة .

قلت : هو من تردد المتأخرين في النقل على المتقدمين ; إذ لم يرد المصنف بالمتقدمين فيها المتقدمين باصطلاح أهل المذهب بل أراد بهم كل من تقدم على غيره ولو كان من المتأخرين فيه ولم يرد بالاختلاف في النقل خصوص نقل أقوالهم التي نصوا عليها بل أراد ما يعمها وما فهمه المتأخرون عنهم من كلامهم فكل من فهم منه شيئا نسبه لهم ونقله عنهم كأنهم نصوا عليه وقالوه ; فهذا التردد جار على قاعدته ومن أفرادها .

التالي السابق


الخدمات العلمية