مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
صيغة سبب النزول

صيغة سبب النزول إما أن تكون نصا صريحا في السببية ، وإما أن تكون محتملة .

فتكون نصا صريحا في السببية إذا قال الراوي : " سبب نزول هذه الآية كذا " ، أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال ، كما إذا قال : " حدث كذا " أو " سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا فنزلت الآية " - فهاتان صيغتان صريحتان في السببية سيأتي لهما أمثلة .

وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي : " نزلت هذه الآية في كذا " فذلك يراد به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية .

وكذلك إذا قال : " أحسب هذه الآية نزلت في كذا " أو " ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا " فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب - فهاتان صيغتان تحتملان السببية وغيرها كذلك . ومثال الصيغة الأولى ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : " أنزلت نساؤكم حرث لكم . . . الآية . في إتيان النساء في أدبارهن “ .

ومثال الصيغة الثانية ما روي عن عبد الله بن الزبير " أن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شراج من الحرة ، وكانا [ ص: 82 ] يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصاري ، سرح الماء يمر ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال : " اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم أرسل الماء إلى جارك " . واستوعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استرعى للزبير حقه في صريح الحكم ، فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، قال ابن تيمية : " قولهم : نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب ، وقد تنازع العلماء في قول الصحابي : " نزلت هذه الآية في كذا " ، هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند ؟ فالبخاري يدخله في المسند ، وغيره لا يدخله فيه ، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره ، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند “ ، وقال الزركشي في البرهان : " قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال : " نزلت هذه الآية في كذا " فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ، لا من جنس النقل لما وقع “ .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية