صفحة جزء
( وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب ) منه قطعا كبغداد والكوفة لأنهما كبلدة [ ص: 156 ] واحدة كما في حاضري المسجد الحرام ( دون البعيد في الأصح ) كالحجاز والعراق ، والثاني يلزم في البعيد أيضا ( والبعيد مسافة القصر ) وصححه المصنف في شرح مسلم لتعليق الشرع بها كثيرا من الأحكام ( وقيل ) البعيد ( باختلاف المطالع . قلت : هذا أصح ، والله أعلم ) إذ أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر ، ولما روى مسلم عن { كريب قال رأيت الهلال بالشام ، ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس : متى رأيتم الهلال ؟ قلت : ليلة الجمعة ، قال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة ، فقلت : أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال : لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } وقياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبها ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والمعروض فكان اعتبارها أولى ، ولا نظر إلى أن اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين مع عدم اعتبار قولهم كما مر لأنه لا يلزم من عدم اعتباره في الأصول والأمور العامة عدم اعتباره في التوابع والأمور الخاصة ، ولو شك في اتفاقها فهو كاختلافها ، لأن الأصل عدم وجوبه ولأنه إنما يجب بالرؤية ولم يثبت في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية . نعم لو بان الاتفاق لزمهم القضاء كما هو ظاهر ، وقد نبه التاج التبريزي على أن اختلاف المطالع لا يمكن في أقل من أربعة وعشرين فرسخا وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى .

والأوجه أنها تحديدية كما أفتى به أيضا ، ونبه السبكي أيضا على أنها إذا اختلفت لزم من رؤيته بالبلد الشرقي رؤيته بالبلد الغربي من غير عكس ، وأطال في بيان ذلك وتبعه عليه الإسنوي وغيره : أي حيث اتحدت الجهة والعرض ، ومن ثم لو مات متوارثان وأحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب كل وقت زوال بلده ورث الغربي الشرقي لتأخر زوال بلده ( وإذا لم نوجب على أهل البلد الآخر ) وهو البعيد ( فصار إليه من بلد الرؤية ) من صام به ( فالأصح أنه يوافقهم ) حتما ( في الصوم آخرا ) وإن كان قد أتم ثلاثين لأنه بالانتقال إليهم صار منهم ، وروي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك ، والثاني يفطر لأنه لزمه حكم البلد الأول فيستمر عليه ( ومن سافر من البلد الآخر ) أي الذي لم ير فيه ( إلى بلد الرؤية ) ، ( عيد معهم ) [ ص: 157 ] حتما لما مر سواء أصام ثمانية وعشرين بأن كان رمضان ناقصا عندهم أيضا فوقع عيده معهم في التاسع والعشرين من صومه أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم ( وقضى يوما ) إن صام ثمانية وعشرين إذ الشهر لا يكون كذلك ، بخلاف ما لو صام تسعة وعشرين فلا قضاء عليه إذ الشهر يكون كذلك .

( و ) على الأصح ( من أصبح معيدا فسارت سفينته ) مثلا ( إلى بلدة بعيدة أهلها صيام ) ( فالأصح أنه يمسك بقية اليوم ) حتما لما مر ، والثاني لا يجب إمساكها لعدم ورود أثر فيه ، وتجزئة اليوم الواحد بإمساك بعضه دون بعض بعيد ، ورد الرافعي الاستبعاد بيوم الشك إذا ثبت الهلال في أثنائه فإنه يجب إمساك باقيه دون أوله ونازع فيه السبكي ، وتتصور المسألة بأن يكون ذلك يوم الثلاثين من صوم البلدين لكن المنتقل إليهم لم يروه ، وبأن يكون التاسع والعشرين من صومهم لتأخر ابتدائه بيوم .


حاشية الشبراملسي

[ ص: 156 ] قوله : باختلاف المطالع إلخ ) .

[ فرع ] ما حكم تعلم اختلاف المطالع ؟ يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر وفرض كفاية في الحضر وفاقا ل مر سم على منهج ، والتعبير بالسفر والحضر جرى على الغالب وإلا فالمدار على محل تكثر فيه الحاضرون أو تقل كما قدمه في استقبال القبلة ( قوله لأن الأصل عدم وجوبه ) قال سم عن بهجة قوله فلا وجوب هل يجوز القياس لا ( قوله : التبريزي ) بكسر أوله والراء وسكون الموحدة والتحتية وزاي نسبة إلى تبريز بلد بأذربيجان ا هـ لب للسيوطي ( قوله : في أقل من أربعة وعشرين فرسخا ) وقدره ثلاثة أيام لكن يبقى الكلام في مبدإ الثلاثة بأي طريق يفرض حتى لا تختلف المطالع بعده راجعه .

( قوله : عيد معهم ) قال سم على منهج : فلو أفسد صوم اليوم الآخر الذي وافقهم فيه لكونه وصلهم قبله بحيث يبيت النية فهل يلزم قضاؤه والكفارة إذا كان الإفساد لجماع ؟ فيه نظر ، ولعل الأقرب عدم اللزوم لأنه لا يجب صومه إلا بطريق الموافقة لا بطريق الأصالة عن واجبه ، ويحتمل أن يفرق بين أن يكون هذا اليوم هو الحادي والثلاثون من صومه فلا يلزمه ما ذكر ، أو يكون يوم الثلاثين فيلزمه فليحرر ، وقد يقال : الأوجه اللزوم لأنه صار منهم ا هـ . ثم رأيت في حج في أول باب [ ص: 157 ] المواقيت بعد قول المصنف وعشر ليال من ذي الحجة ما نصه : ما بين منتهى غروب آخر رمضان وفجر النحر بالنسبة للبلد الذي هو فيه فيصح إحرامه به فيه وإن انتقل بعده إلى بلد أخرى تخالف مطلع تلك ووجدهم صياما على الأوجه لأن وجوب موافقته لهم في الصوم لا يقتضي بطلان حجه الذي انعقد لشدة تشبث الحج ولزومه ، بل قال في الخادم نقلا عن غيره : لا تلزمه الكفارة لو جامع في الثانية وإن لزمه الإمساك ، قال : وقياسه أنه لا تجب فطرة من لزمته فطرته بغروب شمسه ، وعلى هذا يصح الإحرام فيه إعطاء له حكم شوال ا هـ .

وما ذكره في الكفارة قريب لأنها تسقط بالشبهة ، وفي الفطرة يتعين فرضه فيما إذا حدث المؤدى عنه في البلد الأول قبل غروب اليوم الثاني ، وإلا فالوجه لزومها لأن العبرة فيها بمحل المؤدي ، وأما الإحرام فالذي يتجه عدم صحته لأنه بعد أن انتقل إليها صار مثلهم في الصوم ، فكذا الحج لأنه لا فارق بينهما ولا ترد الكفارة لما علمت

حاشية المغربي

[ ص: 156 ] قوله لتأخر زوال بلده ) الذي ذكره أهل هذا الشأن أن الزوال إنما يختلف باختلاف الطول لا باختلاف العرض ، فمتى اتحد الطول اتحد وقت الزوال وإن اختلف العرض ، وإذا اختلف الطول اختلف الزوال وإن اتحد العرض خلافا لما يوهمه كلام الشارح

التالي السابق


الخدمات العلمية