صفحة جزء
قوله ( وكذلك الحكم : إن وطئ اثنان امرأة بشبهة ، أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد ، أو وطئت زوجة رجل ، أو أم ولده بشبهة ، وأتت بولد يمكن أن يكون منه . فادعى الزوج أنه من الواطئ : أري القافة معهما ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وسواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما . ذكره القاضي وغيره . وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة : أن يدعي الزوج أنه من الشبهة . فعلى قوله : إن ادعاه لنفسه : اختص به لقوة جانبه . وفي الانتصار : رواية مثل ذلك . ونقل أبو الحارث في امرأة رجل غصبت ، فولدت عنده . ثم رجعت إلى زوجها كيف يكون الولد للفراش في مثل هذا ؟ إنما يكون له إذا ادعاه . وهذا لا يدعيه ، فلا يلزمه . وقيل : إن عدمت القافة : فهو لرب الفراش . ويأتي في آخر اللعان : هل للزوج ، أو للسيد نفيه ، إذا ألحق به ، أو بهما ؟ قوله ( ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة ) . يشترط في القائف : أن يكون عدلا مجربا في الإصابة . بلا نزاع . ومعنى كونه عدلا مجربا في الإصابة على ما قاله القاضي ومن تابعه بأن يترك الصبي بين عشرة رجال من غير من يدعيه ، ويريهم إياه . فإن ألحقه بواحد [ ص: 460 ] منهم : سقط قوله لتبين خطئه . وإن لم يلحقه بواحد منهم : أريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه . فإن ألحقه به : لحقه . ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم أبوه أو أخوه . فإن ألحقه بقريبه : عرفت إصابته . وإن ألحقه بغيره سقط قوله : جاز . وهذه التجربة عند عرضه على القافة للاحتياط في معرفة إصابته . ولو لم نجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة ، وصحة المعرفة في مرات كثيرة : جاز .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أنه لا يشترط حرية القائف . وهو المذهب . وهو ظاهر كلامه في الكافي ، والوجيز ، والمنور ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم . ذكروه فيما يلحق من النسب . وقدمه في الفروع . قال الحارثي : وهذا أصح . وقيل : تشترط حريته . وجزم به القاضي ، وصاحب المستوعب ، والمصنف ، والشارح . وذكره في الترغيب عن الأصحاب . قال في القواعد الأصولية : الأكثرون على أنه كحاكم . فتشترط حريته . وقدمه في الرعاية الكبرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في المحرر ، والنظم ، والرعاية الصغرى ، والفائق ، والزركشي . فعلى الأول : يكون بمنزلة الشاهد . وعلى الثاني : يكون بمنزلة الحاكم . وجزم في الترغيب : أنه تعتبر فيه شروط الشهادة .

فوائد

الأولى : يكفي قائف واحد . على الصحيح من المذهب . نص عليه في رواية أبي طالب ، وإسماعيل بن سعيد . واختاره القاضي ، وصاحب المستوعب . وصححه في النظم . [ ص: 461 ] وقدمه في الرعايتين ، والفروع ، والحاوي الصغير . وعنه : يشترط اثنان . نص عليه في رواية محمد بن داود المصيصي ، والأثرم ، وجعفر بن محمد . وقدمه في الفائق ، وشرح ابن رزين . وأطلقهما في القواعد الأصولية ، والحارثي في شرحه ، والكافي ، والزركشي وظاهر الشرح : الإطلاق . وخرج الحارثي الاكتفاء بقائف واحد عند العدم من نصه على الاكتفاء بالطبيب والبيطار ، إذا لم يوجد سواه ، وأولى . فإن القائف أعز وجودا منهما .

تنبيه : هذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب على أنه : هل هو شاهد أو حاكم ؟ فإن قلنا : هو شاهد : اعتبرنا العدد . وإن قلنا : هو حاكم : فلا . وقال جماعة من الأصحاب : ليس الخلاف مبنيا على ذلك . بل الخلاف جار ، سواء قلنا : القائف حاكم أو شاهد . لأنا إن قلنا : هو حاكم . فلا يمتنع التعدد في الحكم ، كما يعتبر حاكمان في جزاء الصيد . وإن قلنا : شاهد . فلا تمتنع شهادة الواحد كما في المرأة . حيث قبلنا شهادتها وشهادة الطبيب ، والبيطار . وقالت طائفة من الأصحاب : هذا الخلاف مبني على أنه شاهد ، أو مخبر . فإن جعلناه شاهدا : اعتبرنا التعدد . وإن جعلناه مخبرا : لم نعتبر التعدد كالخبر في الأمور الدينية .

الثاني : القائف كالحاكم . عند أكثر الأصحاب . قاله في القواعد الأصولية ، والحارثي . وقطع به في الكافي . وقيل : هو كالشاهد . وهو الصحيح على ما تقدم . وأكثر مسائل القائف مبنية على هذا الخلاف . [ ص: 462 ]

الثالثة : هل يشترط لفظ " الشهادة " من القائف ؟ قال في الفروع بعد القول باعتبار الاثنين : ويعتبر منهما لفظ " الشهادة " نص عليه . وكذا قال في الفائق . قال في القواعد الأصولية : وفيه نظر . إذ من أصلنا قبول شهادة الواحد في مواضع . وعلى المذهب : يعتبر لفظ الشهادة . انتهى . قلت : في تنظيره نظر . لأن من نقل عن الأصحاب كصاحب الفروع ، وغيره إنما نقلوا ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله . وقد روى الأثرم أنه قال : لا يقبل قول واحد ، حتى يجتمع اثنان . فيكونا شاهدين . وإذا شهد اثنان من القافة ، أنه لهذا : فهو له . وكذا قال في رواية محمد بن داود المصيصي . فالذي نقل ذلك قال : يعتبر من الاثنين لفظ " الشهادة " وهو موافق للنص ولا يلزم من ذلك أنه لا يعتبر لفظ " الشهادة " في الواحد . ولا عدمه . غايته : أنه اقتصر على النص . فلا اعتراض عليه في ذلك . وقال في الانتصار : لا يعتبر لفظ " الشهادة " ولو كانا اثنين كما في المقومين .

الرابعة : لو عارض قول اثنين قول ثلاثة فأكثر . أو تعارض اثنان : سقط الكل . وإن اتفق اثنان ، وخالف ثالث : أخذ بقول الاثنين . نص عليه ، ولو رجعا . فإن رجع أحدهما : لحق بالآخر . قال في المنتخب : ومثله بيطاران ، وطبيبان ، في عيب .

الخامسة : يعمل بالقافة في غير بنوة ، كأخوة وعمومة ، عند أصحابنا . وعند أبي الخطاب : لا يعمل بها في غير البنوة . كإخبار راع بشبه . [ ص: 463 ] وقال في عيون المسائل ، في التفرقة بين الولد والفصيل : لأنا وقفنا على مورد الشرع ، ولتأكد النسب ، لثبوته مع السكوت .

السادسة : نفقة المولود على الواطئين . فإذا لحق بأحدهما : رجع على الآخر بنفقته . ونقل صالح ، وحنبل : أرى القرعة والحكم بها . يروى عنه عليه أفضل الصلاة والسلام " أنه أقرع في خمس مواضع . فذكر منها : إقراع علي رضي الله عنه في الولد بين الثلاثة الذين وقعوا على الأمة في طهر واحد " ولم ير هذا في رواية الجماعة . لاضطرابه . وقال ابن القيم رحمه الله ، في الهدي : القرعة تستعمل عند فقدان مرجح سواها : من بينة ، أو إقرار ، أو قافة . قال : وليس ببعيد تعيين المستحق في هذه الحال بالقرعة . لأنها غاية المقدور عليه من ترجيح الدعوى . ولها دخول في دعوى الأملاك التي لا تثبت بقرينة ، ولا أمارة . فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول قائف : أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية