صفحة جزء
فائدة :

إذا طلقها ثلاثا متفرقة بعد أن راجعها : طلقت ثلاثا بلا نزاع في المذهب . وعليه الأصحاب . منهم الشيخ تقي الدين رحمه الله . وإن طلقها ثلاثا مجموعة قبل رجعة واحدة : طلقت ثلاثا ، وإن لم ينوها . على الصحيح من المذهب . نص عليه مرارا . وعليه الأصحاب ، بل الأئمة الأربعة وأصحابهم في الجملة . وأوقع الشيخ تقي الدين رحمه الله من ثلاث مجموعة ، أو متفرقة ، قبل رجعة : طلقة واحدة . وقال : لا نعلم أحدا فرق بين الصورتين . وحكى عدم وقوع الطلاق الثلاث جملة . بل واحدة في المجموعة أو المتفرقة عن جده المجد ، وأنه كان يفتي به أحيانا سرا . ذكره عنه في الطبقات ; لأنه محجور عليه إذن . فلا يصح كالعقود المحرمة لحق الله تعالى . [ وظاهره : ولو وجب عليه فراقها ، لإمكان حصوله بخلع بعوض يعارض لفظ الطلاق ونيته ، فضلا عن حصوله بنفس طلقة واحدة أو طلقات ] وقال عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيقاع الثلاث : إنما جعله [ ص: 454 ] لإكثارهم منه ، فعاقبهم على الإكثار منه ، لما عصوا بجمع الثلاث . فيكون عقوبة من لم يتق الله ، من التعزير الذي يرجع فيه إلى اجتهاد الأئمة ، كالزيادة على الأربعين في حد الخمر ، لما أكثر الناس منها وأظهروه : ساغت الزيادة عقوبة . انتهى .

[ واختاره الحلي وغيره من المالكية . لحديث صحيح في مسلم يقتضي أن المراد بالثلاث في ذلك ثلاث مرات ، لا أن المراد بذلك ثلاث تطليقات . فعليه : لو أراد به الإقرار لزمته الثلاث اتفاقا ، إن امتنع صدقه ، وإلا فظاهرا فقط ] . واختاره أيضا ابن القيم وغيره ، في الهدى وغيره ، وكثير من أتباعه . قال ابن المنذر : هو مذهب أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما كعطاء ، وطاوس ، وعمرو بن دينار نقله الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر في فتح الباري شرح البخاري . وحكى المصنف عن عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وأبي الشعثاء ، وعمرو بن دينار ، أنهما كانوا يقولون : من طلق البكر ثلاثا ، فهي واحدة . وقال القرطبي في تفسيره على قوله تعالى { الطلاق مرتان } اتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الثلاث . وهو قول جمهور السلف . وشذ طاوس ، وبعض أهل الظاهر ، فذهبوا إلى أن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة : يقع واحدة . ويروى هذا عن محمد بن إسحاق ، والحجاج بن أرطاة . [ ص: 455 ] وقال بعد ذلك : ولا فرق بين أن يوقع ثلاثا مجتمعة في كلمة ، أو متفرقة في كلمات ثلاث . وقال بعد ذلك : ذكر محمد بن أحمد بن مغيث في وثائقه : أن الطلاق ينقسم . إلى طلاق سنة ، وطلاق بدعة . فطلاق البدعة : أن يطلقها في حيض ، أو ثلاثا في كلمة واحدة . فإن فعل لزمه الطلاق . ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق كم يلزمه من الطلاق ؟ فقال علي ، وابن مسعود رضي الله عنهما : يلزمه طلقة واحدة . وقاله ابن عباس رضي الله عنهما . وقال : قوله " ثلاثا " لا معنى له ، لأنه لم يطلق ثلاث مرات . وقاله الزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما . ورويناه عن ابن وضاح . وقال به من شيوخ قرطبة : ابن زنباع ، ومحمد بن بقي بن مخلد ، ومحمد بن عبد السلام الخشني ، فقيه عصره ، وأصبغ بن الحباب ، وجماعة سواهم . وقد يخرج بقياس من غير ما مسألة من المدونة ما يدل على ذلك وذكره وعلل ذلك بتعاليل جيدة . انتهى .

فوقوع الواحدة في الطلاق الثلاث الذي ذكرناه هنا لكونه طلاق بدعة : لا لكون الثلاث واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية