صفحة جزء
[ ص: 612 ] ( وتجب ) النفقة بأنواعها على الحر ( لطفله ) يعم الأنثى والجمع ( الفقير ) الحر ، فإن نفقة المملوك على مالكه والغني في ماله الحاضر ; فلو غائبا فعلى الأب ثم يرجع إن أشهد لا إن نوى إلا ديانة ; فلو كانا فقيرين فالأب يكتسب أو يتكفف وينفق عليهم ، ولو لم يتيسر أنفق عليهم القريب [ ص: 613 ] ورجع على الأب إذا أيسر ذخيرة . ولو خاصمته الأم في نفقتهم فرضها القاضي وأمره بدفعها للأم ما لم تثبت خيانتها فيدفع لها صباحا ومساء أو يأمر من ينفق عليهم ، وصح صلحها عن نفقتهم ولو بزيادة يسيرة تدخل تحت التقدير ، وإن لم تدخل طرحت ، ولو على ما لا يكفيهم زيدت بحر ; ولو ضاعت رجعت بنفقتهم دون حصتها . وفي المنية : أب معسر وأم موسرة تؤمر الأم بالإنفاق ويكون دينا على الأب وهي أولى من الجد الموسر ، [ ص: 614 ] وفيها : لا نفقة على الحر لأولاده من الأمة ولا على العبد لأولاده ولو من حرة ، وعلى الكافر نفقة ولده المسلم وسيجيء بحر .


[ ص: 612 ] مطلب الصغير والمكتسب نفقة في كسبه لا على أبيه ( قوله بأنواعها ) من الطعام والكسوة والسكنى ، ولم أر من ذكر هنا أجرة الطبيب وثمن الأدوية ، وإنما ذكروا عدم الوجوب للزوجة ، نعم صرحوا بأن الأب إذا كان مريضا أو به زمانة يحتاج إلى الخدمة فعلى ابنه خادمه وكذلك الابن ( قوله لطفله ) هو الولد حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم ، ويقال جارية ، طفل ، وطفلة ، كذا في المغرب . وقيل أول ما يولد صبي ثم طفل ح عن النهر ( قوله يعم الأنثى والجمع ) أي يطلق على الأنثى كما علمته ، وعلى الجمع كما في قوله تعالى { - أو الطفل الذين لم يظهروا - } فهو مما يستوي فيه المفرد والجمع كالجنب والفلك والإمام - { واجعلنا للمتقين إماما } - ولا ينافيه جمعه على أطفال أيضا كما جمع إمام على أئمة أيضا فافهم .

( قوله الفقير ) أي إن لم يبلغ حد الكسب ، فإن بلغه كان للأب أن يؤجره أو يدفعه في حرفة ليكتسب وينفق عليه من كسبه لو كان ذكرا ، بخلاف الأنثى كما قدمه في الحضانة عن المؤيدية . قال الخير الرملي : لو استغنت الأنثى بنحو خياطة وغزل يجب أن تكون نفقتها في كسبها كما هو ظاهر ، ولا نقول تجب على الأب مع ذلك ، إلا إذا كان لا يكفيها فتجب على الأب كفايتها بدفع القدر المعجوز عنه ، ولم أره لأصحابنا . ولا ينافيه قولهم بخلاف الأنثى ; لأن الممنوع إيجارها ، ولا يلزم منه عدم إلزامها بحرفة تعلمها . ا هـ أي الممنوع إيجارها للخدمة ونحوها مما فيه تسليمها للمستأجر بدليل قولهم ; لأن المستأجر يخلو بها وذا لا يجوز في الشرع ، وعليه فله دفعها لامرأة تعلمها حرفة كتطريز وخياطة مثلا .

( قوله على مالكه ) أي لا على أبيه الحر أو العبد بحر ( قوله والغني في ماله الحاضر ) يشمل العقار والأردية والثياب ، فإذا احتيج إلى النفقة كان للأب بيع ذلك كله وينفق عليه ; لأنه غني بهذه الأشياء بحر وفتح ، لكن سيذكر الشارح عند قوله ولكل ذي رحم محرم أن الفقير من تحل له الصدقة ولو له منزل وخادم على الصواب ويأتي تمام الكلام عليه ( قوله فلو غائبا ) أي فلو كان للولد مال لكنه غائب فنفقته على الأب إلى أن يحضر ماله . وسئل الرملي عما إذا كان له غلة في وقف : فأجاب بأنه لم ير من صرح بالمسألة ; والظاهر أنه بمنزلة المال الغائب .

( قوله إن أشهد ) أي على أنه ينفق عليه ليرجع ، وكالإشهاد الإنفاق بإذن القاضي كما في البحر ( قوله لا إن نوى ) أي لا يرجع إن نوى الرجوع بلا إشهاد ولا إذن قاض : أي لا يصدق في القضاء أنه نوى ذلك ، وإنما يثبت له الرجوع فيما بينه وبين ربه تعالى ( قوله يكتسب أو يتكفف ) قدم الكسب ; لأنه الواجب أولا ، إذ لا يجوز التكفف : أي طلب الكفاف بمسألة الناس إلا عند العجز عن الاكتساب . قال في الذخيرة : فإن قدر على الكسب تفرض النفقة عليه فيكتسب وينفق عليهم ، وإن عجز لكونه زمنا أو مقعدا يتكفف الناس وينفق عليهم كذا في نفقات الخصاف . وذكر الخصاف في أدب القضاء أنه في هذه الصورة يفرضها القاضي على الأب ويأمر المرأة بالاستدانة على الزوج ، فإذا قدر طالبته بما استدانت عليه ، وكذا لو فرضها عليه ثم امتنع مع قدرته . ا هـ . وقال أيضا : وإن امتنع عن الكسب حبس ; بخلاف سائر الديون . و لا يحبس والد وإن علا في دين ولده وإن سفل إلا في النفقة ; لأن فيه إتلاف الصغير ( قوله وينفق عليهم ) أي على أولاده الصغار ; وقيل نفقتهم في بيت المال بحر . وفي القهستاني عن المحيط : وتفرض على المعسر بقدر الكفاية . وعلى الموسر بقدر ما يراه الحاكم ( قوله ولو لم يتيسر ) أي الإنفاق عليهم أو الاكتساب . قال في الفتح : وإن لم يف كسبه بحاجتهم أو لم [ ص: 613 ] يكتسب لعدم تيسر الكسب أنفق عليهم القريب إلخ ; ومثله في البحر . وظاهره أن إنفاق القريب يثبت بمجرد عجز الأب عن الكسب ; وينافيه ما مر من أنه إذا عجز عنه يتكفف ; ولعل المراد أنه يتكفف إن لم يوجد قريب ينفق عليهم ، وبه يجمع بين الروايتين المنقولتين آنفا عن الخصاف ; لكن في الثانية أمر الزوجة بالاستدانة ; والظاهر أنه محمول على ما إذا كانت معسرة ; فلو موسرة تنفق من مالها لترجع ، ويأتي قريبا أنها أولى بالتحمل من سائر الأقارب .

مطلب . الكلام على نفقة الأقارب ( قوله ورجع على الأب إذا أيسر ) في جوامع الفقه : إذا لم يكن للأب مال والجد أو الأم أو الخال أو العم موسر يجبر على نفقة الصغير ويرجع بها على الأب إذا أيسر ، وكذا يجبر الأبعد إذا غاب الأقرب ; فإن كان له أم موسرة فنفقته عليها ; وكذا إن لم يكن له أب إلا أنها ترجع في الأول . ا هـ فتح . قلت : وهذا هو الموافق لما يأتي من أنه لا يشارك الأب في نفقة أولاده أحد فلا يجعل كالميت بمجرد إعساره لتجب النفقة على من بعده بل تجعل دينا عليه ; وسيذكر الشارح تصحيح خلافه وأنه لا بد من إصلاح المتون ; ويأتي الكلام فيه ، وهذا إذا لم يكن الأب زمنا عاجزا عن الكسب وإلا قضي بالنفقة على الجد اتفاقا ; لأن نفقة الأب حينئذ واجبة على الجد فكذا نفقة الصغار ، ولا يخفى أن كلامنا الآن في الأب العاجز عن الكسب تأمل .

( قوله ولو خاصمته الأم ) أي بأن شكت منه أنه لا ينفق أو أنه يقتر عليهم ( قوله ما لم تثبت خيانتها ) أي أنه لا يقبل قوله : إنها لا تنفق أو تضيق عليهم ; لأنها أمينة ودعوى الخيانة على الأمين لا تسمع بلا حجة فيسأل القاضي جيرانها ممن يداخلها ; فإن أخبروه بما قال الأب زجرها ، ومنعها عن ذلك نظرا لهم ذخيرة ( قوله فيدفع لها إلخ ) هذا نقله في الذخيرة عن بعض المشايخ عقب ما مر فقال : إن شاء القاضي دفعها إلى ثقة يدفع لها صباحا ومساء ولا يدفع إليها جملة ، وإن شاء أمر غيرها لينفق عليهم ( قوله وصح صلحها ) قيل في وجهه إن الأب هو العاقد من الجانبين ، وقيل من جانب نفسه والأم من جانب الصغار ; لأن نفقتهم من أسباب الحضانة وهي للأم ذخيرة ( قوله تدخل تحت التقدير ) تفسير لليسيرة ، وذلك كما لو وقع الصلح عشرة ، وإذا نظر الناس فبعضهم يقدر الكفاية بعشرة وبعضهم بتسعة ، بخلاف ما لو وقع الصلح على خمسة عشر أو على عشرين فإن الزيادة حينئذ تطرح عن الأب . قلت : وتقدم متنا أنه لو صالح على نفقة الزوجة ثم قال لا أطيق ذلك فهو لازم إلا إذا تغير سعر الطعام إلخ . والفرق ما قدمناه من أن النفقة في حق القريب باعتبار الحاجة والكفاية ، وفي حق الزوجة معارضته عن الاحتباس ، ولذا لو مضى الوقت وبقي منها شيء يقضي بأخرى لها لا له وكذا لو ضاعت ( قوله زيدت ) أي إلى قدر الكفاية ( قوله ولو ضاعت إلخ ) الفرق ما ذكرناه آنفا ( قوله وهي أولى من الجد الموسر ) أي لو كان مع الأم الموسرة جد موسر أيضا تؤمر الأم بالإنفاق من مالها لترجع على الأب ، ولا يؤمر الجد بذلك ; لأنها أقرب إلى الصغير فالأم أولى بالتحمل من سائر الأقارب ، وتمامه في البحر عن الذخيرة . [ ص: 614 ] قلت : اعلم أنه إذا مات الأب فالنفقة على الأم والجد على قدر ميراثهما أثلاثا في ظاهر الرواية ، وفي رواية على الجد وحده كما سيأتي . وأما إذا كان الأب معسرا فهي على الأب وتستدينها الأم عليه ; لأنها أقرب من الجد ، هذا على ظاهر المتون كما قدمناه ، وأما على ما يأتي تصحيحه من أن المعسر يجعل كالميت فمقتضاه أنها تجعل عليهما أثلاثا تأمل .

( قوله لأولاده من الأمة ) بل نفقتهم على سيد الأمة إلا أن يشترط الزوج حريتهم فنفقتهم عليه ، والمراد بالأمة غير المكاتبة ، أما هي فنفقتهم عليها لتبعيتهم لها في الكتابة ط وتقدمت المسألة ( قوله ولو من حرة ) بل النفقة عليها ، وإن كانت أمة لمولاه فنفقة الجميع عليه ، أو لغيره فنفقتهم على مولى الأم كما علمت . ونفقة العبد على مولاه ( قوله وعلى الكافر إلخ ) في الجوهرة : ذمي تزوج ذمية ثم أسلمت ولها منه ولد يحكم بإسلام الولد تبعا لها ونفقته على الأب الكافر ، وكذا الصبي إذا ارتد فارتداده صحيح عند أبي حنيفة ومحمد ، ونفقته على الأب . ا هـ ( قوله وسيجيء ) يأتي ذلك في عموم قول المصنف ولا نفقة مع الاختلاف دينا إلا للزوجة والأصول والفروع الذميين .

التالي السابق


الخدمات العلمية