صفحة جزء
[ ص: 119 ] كتاب الجهاد [ ص: 120 ] أورده بعد الحدود لاتحاد المقصود ، ووجه الترقي غير خفي . [ ص: 121 ] وهو لغة : مصدر جاهد في سبيل الله . وشرعا : الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله شمني . وعرفه ابن الكمال بأنه بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال ، أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك . ا هـ . .


كتاب الجهاد هذا الكتاب يعبر عنه بالسير والجهاد والمغازي فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير ، فتكون لبيان هيئة السير ، وحالته إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي ، وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج وقالوا السير الكبير ، فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير بحر .

مطلب في فضل الجهاد

قلت : والسير الكبير والسير الصغير كتابان للإمام محمد بن الحسن رحمه الله تعالى على صيغة جمع سيرة لا على صيغة المفرد . هذا وفضل الجهاد عظيم ، كيف وحاصله بذل أعز المحبوبات وهو النفس وإدخال أعظم المشقات عليه تقربا بذلك إلى الله تعالى وأشق منه قصر النفس على الطاعات على الدوام ، ومجانبة هواها ولذا { قال صلى الله عليه وسلم [ ص: 120 ] وقد رجع من غزاة رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر } ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث { ابن مسعود قلت : يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على ميقاتها . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ولو استزدته لزادني } " رواه البخاري ، وجاء تأخيره عن الإيمان في حديث أبي هريرة المتفق عليه قال " { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله . قيل ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل ثم ماذا ؟ قال حج مبرور } " ويجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الإيمان من عموم المجاز . ولا تردد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد ; لأنها فرض عين وتتكرر ولأن الجهاد ليس إلا للإيمان وإقامة الصلاة ، فكان حسنا لغيره والصلاة حسنة لعينها وهي المقصودة منه وتمام تحقيق ذلك مع ما ورد في فضل الجهاد المذكور في الفتح .

مطلب المواظبة على فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد قلت : وقد نص على ذلك الإمام السرخسي في شرح السير الكبير حيث قال عن أبي قتادة " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر الجهاد فلم يدع شيئا أفضل من الجهاد إلا الفرائض } " يريد به الفرائض التي تثبت فريضتها عينا وهي الأركان الخمسة ; لأن فرض العين آكد من فرض الكفاية ، والثواب بحسب آكدية الفرضية ، فلهذا استثنى الفرائض .

مطلب في تكفير الشهادة مظالم العباد ثم ذكر أحاديث في أن الشهيد تكفر خطاياه إلا الدين وقال إذا كان محتسبا صابرا مقبلا قال : وفيه بيان شدة الأمر في مظالم العباد ، وقيل كان هذا في الابتداء حين نهى صلى الله عليه وسلم عن الاستدانة لقلة ذات يدهم وعجزهم عن قضائه ، ولهذا كان لا يصلي على مديون لم يخلف مالا ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام " { من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو عيالا فهو علي } " وورد نظيره في الحج " { أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأمته بعرفات ، فاستجيب له إلا المظالم ثم دعا بالمشعر الحرام فاستجيب له حتى المظالم فنزل جبريل عليه السلام يخبره أنه تعالى يقضي عن بعضهم حق البعض } " فلا يبعد مثل ذلك في حق الشهيد المديون .

مطلب فيمن يريد الجهاد مع الغنيمة ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه " { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يريد عرض الدنيا ، فقال عليه الصلاة والسلام لا أجر له } " الحديث . قال : ثم تأويله من وجهين : أحدهما : أن يرى أنه يريد الجهاد ومراده في الحقيقة المال ، فهذا كان حال المنافقين ولا أجر له ، أو يكون معظم مقصوده المال وفي مثله { قال عليه الصلاة والسلام للذي استؤجر على الجهاد بدينارين إنما لك ديناراك في الدنيا والآخرة } " وأما إذا كان معظم مقصوده الجهاد ، ويرغب معه في الغنيمة فهو داخل في قوله تعالى - { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } - يعني التجارة في طريق الحج فكما أنه لا يحرم ثواب الحج فكذا الجهاد ( قوله لاتحاد المقصود ) وهو إخلاء الأرض من الفساد ح ( قوله ووجه الترقي ) أي من الحدود إلى الجهاد ( قوله غير خفي ) ; لأن الحدود [ ص: 121 ] إخلاء عن الفسق والجهاد إخلاء عن الكفر ح ( قوله مصدر جاهد ) أي بذل وسعه وهذا عام يشمل المجاهد بكل أمر بمعروف ، ونهي عن منكر ح .

قلت : فلم يذكر الشارح معناه لغة بل بين تصريفه ( قوله وقتال من لم يقبله ) أي قتاله مباشرة أو لا فتعريف ابن كمال تفصيل لإجمال هذا ح ( قوله في القتال ) أي في أسبابه وأنواعه من ضرب وهدم وحرق وقطع أشجار ونحو ذلك ( قوله أو معاونة إلخ ) أي وإن لم يخرج معهم بدليل العطف ط ( قوله أو تكثير سواد ) السواد العدد الكثير وسواد المسلمين جماعتهم مصباح ( قوله أو غير ذلك ) كمداواة الجرحى وتهيئة المطاعم والمشارب ط .

التالي السابق


الخدمات العلمية