صفحة جزء
كتاب اللقطة ( هي ) بالفتح وتسكن : اسم وضع للمال الملتقط عيني . وشرعا مال يوجد ضائعا ابن كمال . وفي التتارخانية [ ص: 276 ] عن المضمرات : مال يوجد ولا يعرف مالكه ، وليس بمباح كمال الحربي . وفي المحيط ( رفع شيء ضائع للحفظ على غير لا للتمليك ) وهذا يعم ما علم مالكه كالواقع من السكران ، وفيه أنه أمانة لا لقطة لأنه لا يعرف بل يدفع لمالكه ( ندب رفعها لصاحبها ) إن أمن على نفسه تعريفها وإلا فالترك أولى . وفي البدائع وإن أخذها لنفسه حرم لأنها كالغصب ( ووجب ) أي فرض فتح وغيره ( عند خوف ضياعها ) [ ص: 277 ] كما مر لأن لمال المسلم حرمة كما لنفسه ، فلو تركها حتى ضاعت أثم ، وهل يضمن ؟ ظاهر كلام النهر لا وظاهر كلام المصنف نعم لما في الصيرفية : حمار يأكل حنطة إنسان فلم يمنعه حتى أكل . قال في البدائع : الصحيح أنه يضمن انتهى . وفي الفتح وغيره : لو رفعها ثم ردها لمكانها لم يضمن في ظاهر الرواية . وصح التقاط صبي وعبد ، لا مجنون ومدهوش ومعتوه وسكران لعدم الحفظ منهم


كتاب اللقطة تقدم وجه تقديم اللقيط عليها . وقال في العناية : هما متقاربان لفظا ومعنى ، وخص اللقيط ببني آدم واللقطة بغيرهم للتمييز بينهما ، وقدم الأول لشرف بني آدم ( قوله : بالفتح ) أي فتح القاف مع ضم اللام وبفتحهما كما في القاموس ( قوله : وتسكن ) قال الأزهري : الفتح قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين . وقال الليث : هي بالسكون ، ولم أسمعه لغيره . ومنهم من يعد السكون من لحن العوام مصباح ( قوله اسم وضع للمال الملتقط ) فهو حقيقة لا مجاز ، وهذا هو المتبادل من كتب اللغة ، لكن اختار في الفتح أنها مجاز ; لأنها بالفتح وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة لكثير الهمز واللمز ، وبالسكون للمفعول كضحكة وهزأة لمن يضحك منه ويهزأ به ، وإنما قيل للمال لقطة بالفتح ; لأن الطباع في الغالب تبادر إلى التقاطه ; لأنه مال فصار باعتبار أنه داع إلى أخذه لمعنى فيه كأنه الكثير الالتقاط مجازا وإلا فحقيقته الملتقط الكثير الالتقاط ، وما عن الأصمعي وابن الأعرابي أنه بالفتح اسم للمال أيضا محمول على هذا . ا هـ . ( قوله وشرعا مال يوجد ضائعا ) الظاهر أنه مساو للمعنى اللغوي المذكور ، ومثله قول المصباح : الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه ، ويدل عليه أن ابن كمال لم يذكر المعنى اللغوي ، وهو ظاهر كلام الفتح أيضا . وعليه فلا يلزم في حقيقتها عدم معرفة المالك ولا عدم الإباحة . أما الأول فلأنه إذا وجب رده إلى مالكه الذي ضاع منه لا يخرج عن كونه لقطة . أما كونها يجب تعريفها فذاك إذا لم يعرف مالكها ، إذ لا يلزم اتحاد الحكم في جميع أفراد الحقيقة كالصلاة وغيرها . وأما المباح كالساقط من حربي فكذلك ، ومثله [ ص: 276 ] ما يلقط من الثمار كجوز ونحوه كما يأتي ، فهو يسمى لقطة شرعا ولغة وإن لم يجب تعريفه ولا رده إلى مالكه . وبه علم مغايرة هذا التعريف لما بعده ، ولا ضرر في ذلك فافهم ( قوله : مال يوجد إلخ ) فخرج ما عرف مالكه فليس لقطة بدليل أنه لا يعرف بل يرد إليه ، وبالأخير مال الحربي . لكن يرد عليه ما كان محرزا بمكان أو حافظ فإنه داخل في التعريف ، فالأول أن يقال هو مال معصوم معرض للضياع بحر .

وأقول : الحرز بالمكان ونحوه خرج بقوله يوجد أي في الأرض ضائعا إذ لا يقال في المحرز ذلك . على أنه في المحيط جعل عدم الإحراز من شرائطها وعرفها بما يأتي ، وهذا يفيد أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومها نهر ( قوله : رفع شيء إلخ ) هذا تعريف لها بالمعنى المصدري : أعني الالتقاط ; لأنه لازمها ، وهذا يقع في كلامهم كثيرا ، ومنه الأضحية فإنها اسم لما يضحى به . وعرفوها شرعا بذبح حيوان مخصوص إلخ وهذا التعريف يخرج ما كان مباحا ( قوله : لا للتمليك ) الأولى لا للتملك ( قوله : وفيه أنه أمانة لا لقطة إلخ ) فيه نظر ، فإناللقطة أيضا أمانة ، وعدم وجوب تعريفه لا يخرجه عن كونه لقطة كما قدمنا ; لأنه وإن علم مالكه فهو مال ضائع : أي لا حافظ له نظير ما مر في المال الذي يوجد مع اللقيط . وفي القاموس : ضاع الشيء صار مهملا ، ولهذا ذكر في النهر أن هذا الفرع يدل على ما استفيد من هذا التعريف من أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومها ( قوله : ندب رفعها ) وقيل الأفضل عدمه . والصحيح الأول ، وهو قول عامة العلماء خصوصا في زماننا كما في شرح الوهبانية .

قلت : ويمكن التوفيق بالأمن وعدمه ( قوله : إن أمن على نفسه تعريفها ) أي عدم تعريفها كما لا يخفى . ا هـ . ح أي ; لأن الأمن مما يخاف منه والمخوف عدم التعريف لا التعريف ، إلا أن يدعي تضمين أمن على نفسه معنى وثق منها تأمل . ( قوله : وإلا ) أي وإن لم يأمن بأن شك ، فلا ينافي ما في البدائع ; لأنه فيما إذا أخذها لنفسه ، فإذا تيقن من نفسه منعها من صاحبها فرض الترك ، وإذا شك ندب أفاده ط لكن إن أخذها لنفسه لم يبرأ من ضمانها إلا بردها إلى صاحبها كما في الكافي ( قوله : لأنها كالغصب ) أي حكما من جهة الحرمة والضمان ، وإلا فحقيقة الغصب رفع اليد المحقة ووضع المبطلة ، ولا يد محقة هنا تأمل ( قوله : ووجب أي فرض ) ظاهره أن المراد الفرض القطعي الذي يكفر منكره ، وفيه نظر على أنه في الفتح لم يفسر الوجوب بالافتراض كما فعل الشارح ، بل قال : وإن غلب على ظنه ذلك : أي ضياعها إن لم يأخذها ففي الخلاصة يفترض الرفع ا هـ تأمل ( قوله : فتح وغيره ) أي كالخلاصة والمجتبى ، لكن في البدائع أن الشافعي قال : إنه واجب وهو غير سديد ; لأن الترك ليس تضييعا بل امتناع عن حفظ غير ملتزم كالامتناع عن قبول الوديعة ا هـ وأشار في الهداية إلى التبري من الوجوب بقوله وهو واجب إذا خاف الضياع على ما قالوا بحر ملخصا ، وجزم في النهر بأن ما في البدائع شاذ وأن ما في الخلاصة جرى عليه في المحيط والتتارخانية والاختيار وغيرها . ا هـ .

قلت : وكذا في شرح الوهبانية تبعا للذخيرة ( قوله : عند خوف ضياعها ) المراد بالخوف غلبة الظن كما نقلناه [ ص: 277 ] آنفا عن الفتح ، وهذا إذا أمن على نفسه وإلا فالترك أولى كما في البحر عن المحيط تأمل ( قوله : كما مر ) أي في اللقيط من قوله التقاطه فرض كفاية إذا غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه ، ولو لم يعلم به غيره ففرض عين ا هـ وينبغي هذا التفصيل هنا حموي ( قوله : فلو تركها ) أي وقد أمن على نفسه وإلا فالترك أفضل ط ( قوله : ظاهر كلام النهر لا ) الأولى أن يقول : استظهر في النهر لا ، وأصله لصاحب البحر استدلالا بما في جامع الفصولين : لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذه بريء ، ولو أخذه ثم ترك ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا وكذا لو رأى ما وقع من كم رجل . ا هـ . فقوله وكذا يدل على أنه لا يضمن بترك أخذه ، لكنه يدل على أنه لو أخذه ثم تركه يضمنه ، وهو خلاف ما يأتي قريبا عن الفتح ، والفرق بينه وبين الزق أن الزق إذا انفتح ثم تركه بعد أخذه لا بد من سيلان شيء منه فالهلاك فيه محقق ، بخلاف الواقع من الكم لو تركه بعد أخذه لاحتمال أن يلتقطه أمين غيره .

[ تنبيه ] أفاد أنه لا يلزم من الإثم الضمان ، واستدل له في البحر بما قالوا لو منع المالك عن أمواله حتى هلكت يأثم ولا يضمن . ا هـ .

قلت وكذا لو حل دابة مربوطة ولم يذهب بها فهربت أو فتح باب قفص فيه طير أو دار فيها دواب فذهبت فلا يضمن ، بخلاف ما إذا حل حبلا علق فيه شيء أو شق زقا فيه زيت كما في الحاكم ; لأن السقوط والسيلان محقق بنفس الحل والشق ، بخلاف ذهاب الدواب أو الطير فإنه بفعلها لا بنفس فتح الباب ، ومثله ترك اللقطة بعد أخذها فإن هلاكها ليس بالترك بل بفعل الآخذ بعده وكذا لو تركها قبل أخذها بالأولى ، بخلاف ترك الزق المنفتح بعد أخذه فإن سيلانه بتركه ، أما لو تركه قبل أخذه فإنه لا ينسب سيلانه إليه أصلا ( قوله : لما في الصيرفية إلخ ) ذكر الزاهدي هذا الفرع بلفظ رأى حماره . قال الخير الرملي : فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان ا هـ ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار غيره ، فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائدا عليه ، بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الإتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به فهو كما لو رأى زقا منفتحا كما مر ; وإذا لم يضمن هنا لا يضمن بترك اللقطة بالأولى لعدم تحقق التلف به كما قلنا فافهم ( قوله : لم يضمن في ظاهر الرواية ) هذا إذا أخذها ليعرفها فلو ليأكلها لا يبرأ ما لم يردها إلى ربها كما في [ نور العين ] عن الخانية ، وقدمناه عن كافي الحاكم ، وأطلقه فشمل ما إذا ردها قبل أن يذهب بها أو بعده .

قال في الفتح : وقيده بعض المشايخ بما إذا لم يذهب بها ، فلو بعده ضمن ، وبعضهم ضمنه مطلقا ، والوجه ظاهر المذهب ا هـ وشمل أيضا ما لو خاف بإعادتها الهلاك ، وهو مؤيد لما استظهره في النهر كما مر ( قوله : وصح التقاط صبي وعبد ) أي ويكون التعريف إلى ولي الصبي كما في المجتبى . وينبغي أن يكون التعريف إلى مولى العبد كالصبي بجامع الحجر فيهما ، أما المأذون والمكاتب فالتعريف إليهما نهر . وصح أيضا التقاط الكافر لقول الكافي : لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت . ا هـ . وعليه فتثبت الأحكام من التعريف والتصدق بعده أو الانتقاع ، ولم أره صريحا بحر ( قوله : لا مجنون إلخ ) مأخوذ من قوله في النهر ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلا صاحيا فلا يصح التقاط المجنون إلخ ، لكن الشارح زاد عليه المعتوه ، وقدمنا أول باب المرتد أن حكمه حكم الصبي العاقل ، ومقتضاه صحة التقاطه تأمل . قال ط : وفائدة عدم صحة التقاط [ ص: 278 ] المجنون ونحوه أنه بعد الإفاقة ليس له الأخذ ممن أخذها منه . ومفاد التعليل تقييد الصحة في الصبي بالعقل ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية