صفحة جزء
( ومنها القيام ) بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه ومفروضة وواجبة ومسنونة ومندوبة بقدر القراءة فيه ، فلو [ ص: 445 ] كبر قائما فركع ولم يقف صح لأن ما أتى به القيام إلى أن يبلغ الركوع يكفيه قنية ( في فرض ) وملحق به كنذر وسنة فجر في الأصح ( لقادر عليه ) وعلى السجود ، فلو قدر عليه دون السجود ندب إيماؤه قاعدا ، وكذا من يسيل جرحه لو سجد . وقد يتحتم القعود كمن يسيل جرحه إذا قام أو يسلس بوله أو يبدو ربع عورته أو يضعف [ ص: 446 ] عن القراءة أصلا أو عن صوم رمضان ، ولو أضعفه عن القيام الخروج لجماعة صلى في بيته قائما به يفتى خلافا للأشباه


بحث القيام

وحاصل كلام الشارح اختيار مراعاة الشروط وقت التحريمة وإن لم تكن ركنا لقولهم في الجواب عن استدلال الشافعي على ركنيتها بمراعاة الشروط لها إن هذه الشروط لم تراع لأجلها بل لما اتصل بها من القيام فإن ظاهره أنهم سلموا لزوم المراعاة وقتها ، لكن منعوا أن تكون المراعاة لأجلها ، وعليه فلا يصح الشروع في الصلاة لو شرع بالتحريمة حاملا لنجاسة فألقاها قبل الفراغ منها ، وكذا في بقية الفروع المارة .

وأقول : هذا خلاف ما دل عليه كلام الشارحين من تصريحهم بصحة الشروع في هذه الفروع ، حتى إن العلامة الكاكي صرح في معراج الدراية بأن ثمرة الخلاف بيننا وبين الشافعي في التحريمة تظهر في جواز بناء النفل على الفرض . وتظهر أيضا فيما إذا كبر وفي يده نجاسة فألقاها عند فراغه منها إلى آخر الفروع المارة وقال . آخرها لا تفسد صلاته عندنا ، ونحوه في السراج ، لكنه جعل الخلاف بين الإمامين ومحمد ، ولعله رواية عن محمد ، فإن المشهور أن القائل بركنية [ ص: 444 ] التحريمة هو الشافعي وبعض أصحابنا . وعبارة فتح القدير هكذا : قوله ومراعاة الشرائط إلخ يتضمن منع قوله يشترط لها ، فيقال : لا نسلم أنه يشترط لها بل هو لما يتصل بها من الأركان لا لنفسها ، ولذا قلنا لو تحرم حامل نجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال أو منحرفا فألقاها واستتر بعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع آخر جزء من التحريمة جاز . وذكر في الكافي أنها عند بعض أصحابنا ركن ا هـ وهو ظاهر كلام الطحاوي ، فيجب على قول هؤلاء أن لا تصح هذه الفروع ا هـ كلام الفتح ، فانظر كيف فهم أن مراد صاحب الهداية تسليم صحة هذه الفروع ، وأنه لا يشترط وجود شروط الصلاة وقت التحريمة وأن عدم صحتها إنما هو على القول بركنيتها ونحن لا نقول به ، وهذا خلاف ما فهمه الشارح من كلام الهداية والكافي وغيرهما كما قدمناه عن الخزائن ، وكذا كلام البحر والنهر صريح في صحة هذه الفروع ، فحيث كان هذا هو المنقول فليس لنا عنه عدول ، وحينئذ فمعنى قولهم في الجواب إن مراعاة الشروط ليست لها بل لما اتصل بها من القيام أن شروط الصلاة من الطهارة وغيرها لا تجب للتحريمة أصلا ، وإنما تجب للقيام المتصل بها أي المتصل بآخرها عند انتهاء التلفظ بها لا للقيام المتصل بابتدائها إلى انتهائها حتى يلزم مراعاة الشروط لها في ضمن القيام المذكور كما فهمه الشارح من قول البرهان : وإنما اشترط لها ، فإن قوله لها يفيد ما ذكره الشارح لكنه غير مراد بدليل صحة الفروع المذكورة عندنا ، أو يقال : معناه أن الشروط التي يراعيها المصلي وقت التحريمة ليست لها ، بل لما اتصل بها من الأركان .

وحاصله أنه لما كان الغالب من حال المصلي مراعاة الشروط وقتها صار منشأ لتوهم أن ذلك للتحريمة فبينوا أولا أن ذلك للقيام المتصل بها ثم حققوا ذلك بأن ذكروا صورا يمكن فيها عدم اقتران التحريمة بالشروط . وعبارة الهداية : ومراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام . قال في الكفاية : والدليل أن من وقع في البحر ولم يصل الماء إلى أعضاء وضوئه فكبر وغمس في الماء ورفع وصلى بالإيماء تجوز صلاته وإن كان حال التكبير غير متوضئ ا هـ فهذا أيضا صريح في أن الشروط إنما تجب مراعاتها مع الفراغ منها عند أول جزء من القيام المتصل بآخر التحريمة فالشروط تراعى له في وقته لا لها تبعا له . ويمكن حمل كلام الزيلعي المار على هذا أيضا بأن يجعل قوله : لما يتصل متعلقا . بقوله : يشترط صلة له لا علة حتى يكون المعنى يشترط في التحريمة لأجل ما يتصل إلخ ، وحينئذ فيتوافق كلامهم ويتضح مرامهم ، هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المقام . والسلام .

( قوله ومنها القيام ) يشمل التام منه وهو الانتصاب مع الاعتدال وغير التام وهو الانحناء القليل بحيث لا تنال يداه ركبتيه ، وقوله بحيث إلخ صادق بالصورتين أفاده ط . ويكره القيام على أحد القدمين في الصلاة بلا عذر ، وينبغي أن يكون بينهما مقدار أربع أصابع اليد لأنه أقرب إلى الخشوع ، هكذا روي عن أبي نصر الدبوسي إنه كان يفعله كذا في الكبرى . وما روي أنهم ألصقوا الكعاب بالكعاب أريد بها الجماعة أي قام كل واحد بجانب الآخر كذا في فتاوى سمرقند ، ولو قام على أصابع رجليه أو عقبيه بلا عذر يجوز ، وقيل لا ، حكي القولين في القنية ، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل ( قوله بقدر القراءة فيه ) ذكره في الشرنبلالية بحثا ، لكن عزاه في الخزائن إلى الحاوي .

وحينئذ فهو بقدر آية فرض وبقدر الفاتحة وسورة واجب وبطوال المفصل وأوساطه وقصاره في محالها مسنون والزيادة على ذلك في نحو تهجد مندوب ، لكن في أواخر الفن الثالث من الأشباه . قال أصحابنا : لو قرأ القرآن كله في الصلاة وقع فرضا ، ولو أطال الركوع والسجود فيها وقع فرضا ا هـ ومقتضاه أنه لو أطال القيام يقع فرضا أيضا ، فينافي هذا التقدير . وقد يجاب بأن هذا [ ص: 445 ] قبل إيقاعه أما بعده فالكل فرض ، كما أن القراءة قبل إيقاعها نوعت إلى فرض وواجب وسنة وبعده يكون الكل فرضا .

وتظهر ثمرة ذلك في الثواب والعقاب ، فإذا قرأ أكثر من آية يثاب ثواب الفرض ، وإذا ترك القراءة لا يعاقب على ترك الزائد على الآية ، هذا ما ظهر لي فتأمله ( قوله فركع ) أي وقرأ في هويه قدر الفرض أو كان أخرس أو مقتديا أو أخر القراءة ( قوله إلى أن يبلغ الركوع ) أي يبلغ أقل الركوع بحيث تنال يداه ركبتيه . وعبارته في الخزائن عن القنية إلى أن يصير أقرب إلى الركوع ( قوله كنذر ) أطلقه فشمل النذر المطلق وهو الذي لم يعين فيه القيام ولا القعود ، وهذا أحد قولين والثاني التخيير ط وأبدل النذر في الخزائن بالواجب ، ويدخل فيه قضاء ما أفسده من النوافل فهل يفترض فيه القيام لوجوبه أم لا إلحاقا له بأصله ؟ توقف فيه ط والرحمتي .

( قوله وسنة فجر في الأصح ) أما عن القول بوجوبها فظاهر ، وأما على القول بسنيتها فمراعاة للقول بالوجوب . ونقل في مراقي الفلاح أن الأصح جوازها من قعود ط .

أقول : لكن في الحلية عند الكلام على صلاة التراويح لو صلى التراويح قاعدا بلا عذر ، قيل لا تجوز قياسا على سنة الفجر فإن كلا منهما سنة مؤكدة وسنة الفجر لا تجوز قاعدا من غير عذر بإجماعهم كما هو رواية الحسن عن أبي حنيفة كما صرح به في الخلاصة فكذا التراويح ، وقيل يجوز والقياس على سنة الفجر غير تام فإن التراويح دونها في التأكيد فلا تجوز التسوية بينهما في ذلك . قال قاضي خان وهو الصحيح . ا هـ . ( قوله القادر عليه ) فلو عجز عنه حقيقة وهو ظاهر أو حكما كما لو حصل له به ألم شديد أو خاف زيادة المرض وكالمسائل الآتية في قوله وقد يتحتم القعود إلخ فإنه يسقط ، وقد يسقط مع القدرة عليه فيما لو عجز عن السجود كما اقتصر عليه الشارح تبعا للبحر .

ويزاد مسألة أخرى وهي الصلاة في السفينة الجارية فإنه يصلي فيها قاعدا مع القدرة على القيام عند الإمام ( قوله فلو قدر عليه ) أي على القيام وحده أو مع الركوع كما في المنية .

( قوله ندب إيماؤه قاعدا ) أي لقربه من السجود ، وجاز إيماؤه قائما كما في البحر . وأوجب الثاني زفر والأئمة الثلاثة لأن القيام ركن فلا يترك مع القدرة عليه . ولنا أن القيام وسيلة إلى السجود للخرور ، والسجود أصل لأنه شرع عبادة بلا قيام كسجدة التلاوة والقيام لم يشرع عبادة وحده ، حتى لو سجد لغير الله تعالى يكفر بخلاف القيام . وإذا عجز عن الأصل سقطت الوسيلة كالوضوء مع الصلاة والسعي مع الجمعة ، وما أورده ابن الهمام أجاب عنه في شرح المنية ثم قال : ولو قيل إن الإيماء أفضل للخروج من الخلاف لكان موجها ولكن لم أر من ذكره .

( قوله وكذا ) أي يندب إيماؤه قاعدا مع جواز إيمائه قائما لعجزه عن السجود حكما لأنه لو سجد لزم فوات الطهارة بلا خلف ، ولو أومأ كان الإيماء خلفا عن السجود .

( قوله وقد يتحتم القعود إلخ ) أي يلزمه الإيماء قاعدا لخلفيته عن القيام الذي عجز عنه حكما إذ لو قام لزم فوت الطهارة أو الستر أو القراءة أو الصوم بلا خلف ، حتى لو لم يقدر على الإيماء قاعدا كما كان بحال لو صلى قاعدا يسيل بوله أو جرحه ، ولو صلى مستلقيا لا يسيل منه شيء فإنه يصلي قائما بركوع وسجود كما نص عليه في المنية . قال شارحها لأن الصلاة بالاستلقاء لا تجوز بلا عذر كالصلاة مع الحدث فيترجح ما فيه الإتيان بالأركان . وعن محمد أنه يصلي مضطجعا ولا إعادة في شيء مما تقدم إجماعا . ا هـ . ( قوله أو بسلس ) من باب [ ص: 446 ] تعب ط .

( قوله أصلا ) أما لو قدر على بعض القراءة إذا قام فإنه يلزمه أن يقرأ مقدار قدرته والباقي قاعدا شرح المنية ( قوله الخروج لجماعة ) أي في المسجد ، وهو محمول على ما إذا لم تتيسر له الجماعة في بيته ، أفاده أبو السعود ط ( قوله به يفتى ) وجهه أن القيام فرض بخلاف الجماعة ، وبه قال مالك والشافعي ، خلافا لأحمد بناء على أن الجماعة فرض عنده ، وقيل يصلي مع الإمام قاعدا عندنا لأنه عاجز إذ ذاك ، ذكره في المحيط وصححه الزاهدي شرح المنية ، وثم قال ثالث مشى عليه في المنية ، وهو أنه يشرع مع الإمام قائما ثم يقعد فإذا جاء وقت الركوع يقوم ويركع أي إن قدر ، وما مشى عليه الشارح تبعا للنهر جعله في الخلاصة أصح وبه يفتى .

قال في الحلية : ولعله أشبه لأن القيام فرض فلا يجوز تركه للجماعة التي هي سنة بل يعد هذا عذرا في تركها ا هـ وتبعه في البحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية