صفحة جزء
كتاب الصيد

لعل مناسبته أن كلا منهما مما يورث السرور ( هو مباح ) بخمسة عشر شرطا مبسوطة في العناية ، وسنقرره [ ص: 462 ] في أثناء المسائل ( إلا ) لمحرم في غير المحرم أو ( للتلهي ) كما هو ظاهر ( أو حرفة ) على ما في الأشباه . قال المصنف : وإنما زدته تبعا له ، وإلا فالتحقيق عندي إباحة اتخاذه حرفة لأنه نوع من الاكتساب ، وكل أنواع الكسب في الإباحة سواء على المذهب الصحيح كما في البزازية وغيرها .


كتاب الصيد مصدر صاده : إذا أخذه فهو صائد وذاك مصيد ويسمى المصيد صيدا فيجمع صيودا وهو كل ممتنع متوحش طبعا لا يمكن أخذه إلا بحيلة

مغرب ، فخرج بالممتنع مثل الدجاج والبط ، إذ المراد منه أن يكون له قوائم أو جناحان يملك عليهما ويقدر على الفرار من جهتهما ، وبالمتوحش مثل الحمام إذ معناه أن لا يألف الناس ليلا ونهارا ، وبطبعا ما يتوحش من الأهليات فإنها لا تحل بالاصطياد وتحل بذكاة الضرورة ودخل به متوحش بإلف كالظبي لا يمكن أخذه إلا بحيلة ، وتمامه في القهستاني : أي فالظبي وإن كان مما يألف بعد الأخذ إلا أنه صيد قبله يحل بالاصطياد ، ودخل فيه ما لا يؤكل كما يأتي . ( قوله مما يورث السرور ) وقيل : الغفلة واللهو ، لحديث " { من اتبع الصيد فقد غفل } " وفي السعدية ولأن الصيد من الأطعمة ، ومناسبتها للأشربة غير خفية ، وكل منها فيه ما هو حلال وحرام .

( قوله بخمسة عشر شرطا ) خمسة في الصائد : وهو أن يكون من أهل الذكاة ، وأن [ ص: 462 ] يوجد منه الإرسال ، وأن لا يشاركه في الإرسال من لا يحل صيده ، وأن لا يترك التسمية عامدا ، وأن لا يشتغل بين الإرسال والأخذ بعمل آخر ، وخمسة في الكلب : أن يكون معلما ، وأن يذهب على سنن الإرسال ، وأن لا يشاركه في الأخذ ما لا يحل صيده ، وأن يقتله جرحا ، وأن لا يأكل منه . وخمسة في الصيد : أن لا يكون من الحشرات ، وأن لا يكون من بنات الماء إلا السمك ، وأن يمنع نفسه بجناحيه أو قوائمه ، وأن لا يكون متقويا بنابه أو بمخلبه ، وأن يموت بهذا قبل أن يصل إلى ذبحه ا هـ . وفيه بحث مذكور مع جوابه في المنح ، ومجموع هذه الشروط لما يحل أكله ولم يدركه حيا ( قوله في غير الحرم ) الأولى أن يقول أو في الحرم ليشمل الصور الثلاث وهي الصيد المحرم في الحل أو الحرم أو الحلال في الحرم ( قوله كما هو ظاهر ) لأن مطلق اللهو منهي عنه إلا في ثلاث كما مر في الحظر ( قوله على ما في الأشباه ) أي أخذا مما في البزازية من أنه مباح إلا للتلهي أو حرفة .

وفي مجمع الفتاوى : ويكره للتلهي ، وأن يتخذ خمرا وأقره في الشرنبلالية ( قوله لأنه نوع من الاكتساب ) وبذلك استدل في الهداية على إباحة الاصطياد بعد استدلاله عليه بالكتاب والسنة والإجماع ، وأقره الشراح ( قوله وكل أنواع الكسب إلخ ) أي أنواعه المباحة ، بخلاف الكسب بالربا والعقود الفاسدة ونحو ذلك ( قوله على المذهب الصحيح ) قال بعده في التتارخانية . وبعض الفقهاء قالوا : الزراعة مذمومة ، والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء : ثم اختلفوا في التجارة والزراعة أيهما أفضل . وأكثر مشايخنا على أن الزراعة أفضل ا هـ وفي الملتقى والمواهب : أفضله الجهاد ، ثم التجارة ، ثم الحراثة ، ثم الصناعة ا هـ .

أقول : فالمراد من قولهم كل أنواع الكسب في الإباحة سواء أنها بعد أن لم تكن بطريق محظور لا يذم بعضها وإن كان بعضها أفضل من بعض تأمل . ثم إن كل نوع منها تارة يتخذه الإنسان حرفة ومعاشا وتارة يفعله وقت الحاجة في بعض الأحيان ، وحيث كان الاصطياد نوعا منها دل على إباحة اتخاذه حرفة ولا سيما مع إطلاق الأدلة . وعبارات المتون : والكراهة لا بد لها من دليل خاص ، وما قيل إن فيه إزهاق الروح وهو يورث قسوة القلب لا يدل على الكراهة ، بل غايته أن غيره كالتجارة والحراثة أفضل منه .

وفي التتارخانية قال أبو يوسف : إذا طلب الصيد لهوا ولعبا فلا خير فيه وأكرهه ، وإن طلب منه ما يحتاج إليه من بيع أو إدام أو حاجة أخرى فلا بأس به ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية