صفحة جزء
وتجوز إجارة العين مدة ، ويشترط كونها معلومة لا يظن عدمها فيها ، وإن طالت ، وقيل : إلى سنة ، وقيل : ثلاث ، وقيل : ثلاثين ، وظاهره : ولو ظن عدم العاقد ولو مدة لا يظن فناء الدنيا فيها ، وفي طريقة بعض أصحابنا : في السلم الشرع يراعي الظاهر ، ألا ترى لو اشترط أجلا تفي به مدته صح ، ولو اشترط مائتين أو أكثر لم يصح ، وسواء وليت العقد أو لا ، أو كانت مشغولة بإجارة أو غيرها ، وظن التسليم في وقته المستحق ، [ ص: 438 ] أو لم تكن ، فإن كانت مرهونة وقت العقد فوجهان ( م 14 ) وقولنا : وظن التسليم ، كذا قاله بعضهم ، وفي الرعاية : إن أمكن التسليم .

وقال الشيخ وغيره لمن علل في منع إجارة المضاف بأنه لا يمكن تسليمه في [ ص: 439 ] الحال ، كالعين المغصوبة ، قالوا : إنما تشترط القدرة على التسليم عند وجوبه ، كالسلم فإنه لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد ، قالوا : ولا فرق بين كونها مشغولة أو لا ، لما ذكرنا ، وكذا قال ابن عقيل في الفنون أو في الفصول : لا يتصرف مالك العقار في المنافع بإجارة ولا إعارة إلا بعد انقضاء المدة واستيفاء المنافع المستحقة عليه بعقد الإجارة ، لأنه ما لم تنقض المدة له حق الاستيفاء ، فلا تصح تصرفات المالك في محبوس بحق ، لأنه يتعذر التسليم المستحق بالعقد ، فمراد الأصحاب متفق ، وهو أنه تجوز إجارة المؤجر ، ويعتبر التسليم وقت وجوبه ، وأنه لا يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر كما يفعله بعض الناس ، وأفتى جماعة من أصحابنا وغيرهم في هذا الزمان أن هذا لا يصح ، وهذا واضح ، ولم أجد من كلامهم ما يخالف هذا ، ومن العجب قول بعضهم في هذا الزمان [ إن ] الذي يخطر بباله من كلام أصحابنا أن هذه الإجارة تصح ، كذا قال ، وقد قال شيخنا فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا ثم انتقل الإقطاع عن الجندي : إن الجندي الثاني لا يلزمه حكم الإجارة الأولى وإنه إن شاء أن يؤجرها لمن له فيها القصب أو لغيره ، وليس لوكيل مطلق الإيجار مدة طويلة ، بل العرف ، كسنتين ونحوهما ، قاله شيخنا ، ولو قال : آجرتك شهرا ، لم يصح ، نص عليه ، وعنه : صحته ، [ ص: 440 ] اختاره الشيخ ، وابتداؤه من حين العقد ، ولو آجره في أثناء شهر سنة فشهر بالعدد ثلاثين ، نص عليه في نذر وصوم ، وباقيها بالأهلة ، وعنه : الجميع بالعدد ، وكذا ما اعتبرت الأشهر فيه ، كعدة ، ونص عليهما في نذر ، وعند شيخنا : إلى مثل تلك الساعة .


[ ص: 438 ] مسألة 14 ) قوله : وتجوز إجارة العين مدة وسواء وليت العقد أو لا أو كانت مشغولة بإجارة أو غيرها وظن التسليم في وقته المستحق ، أو لم تكن ، فإن كانت مرهونة وقت العقد فوجهان ، انتهى . قال في الرعاية الكبرى : وإن أجره شيئا مدة لا تلي العقد صح إن أمكن تسليمه في أولها ، سواء كان فارغا وقت العقد أو مؤجرا ، قلت : فإن كان ما آجره مرهونا وقت العقد لا وقت التسليم المستحق بالأجرة احتمل وجهين ، انتهى .

( قلت ) : الصواب أنه إن ظن تسليمها وقت الوجوب صحت ، وإلا فلا ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وداخل في عموم كلامهم ، ويعرف ذلك في هذه المسألة بحال الراهن ، بأن يكون قادرا أو باذلا مع القدرة على التحصيل وقت الحلول ، والله أعلم .

( تنبيه )

الظاهر أن المصنف تابع ابن حمدان في رعايته في إطلاق الخلاف ، والظاهر من كلام صاحب الرعاية أن هذين الوجهين لم يسبق إليهما ، بل هو استنبطهما وخرجهما ، وهو كالصريح في كلامه ، فإذن في إطلاق المصنف الخلاف نظر ظاهر ، لأن الأصحاب لم يختلفوا في الترجيح في هذه المسألة حتى يطلق الخلاف فيها ، بل ولا يعرف لهم كلام فيها ، ولم نر هذين الوجهين إلا لهذين الرجلين ، والله أعلم . ويمكن الجواب بأن يقال : المقيس عليه والمشابه لهذه المسألة اختلف الأصحاب في الترجيح فيها ، لأن المجتهد إذا خرج مسألة فلا بد من تخريجها على أصل مشهور في المذهب ، والله أعلم . ويمكن أن يكون المصنف اطلع على خلاف في المذهب في هذه المسألة ، واختلفوا في الترجيح ، وهو بعيد ، والمعتمد عليه الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية