صفحة جزء
[ ص: 364 ] طهارة مواضع الصلاة وطهارة بدن المصلي وسترته وبقعته محل بدنه والمذهب وثيابه مما لا يعفى عنه شرط ( و ) كطهارة الحدث ( ع ) وعنه واجب . وطهارة الحدث فرضت قبل التيمم ، ذكره القاضي ، وأصحابه والشيخ ، وأصحاب الأصول في قياس الوضوء على التيمم في النية مع تقدمه عليه ، وأن الحنفية اعترضوا بهذا ، وكذا ذكر القاضي وغيره مسألة النية للوضوء ، وفي مسند أحمد والصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت : " أنزلت آية التيمم " ذكر القشيري وابن عطية أنها آية المائدة .

وقال ابن عبد البر : فأنزل الله آية التيمم ، وهي آية الوضوء المذكورة في سورة المائدة : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } إلخ مائدة أو الآية التي في سورة النساء : { أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } إلخ نساء ليس التيمم مذكورا في غيرهما ، وهما مدنيتان .

وقال أبو بكر بن العربي : لا يعلم أية آية عنت عائشة بقولها فأنزلت آية التيمم ، قال : وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معروفا ولا مفعولا لهم .

وقال القرطبي : معلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء ، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم ، قال : فدل أن آية [ ص: 365 ] الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل ، وفي قولها فنزلت آية التيمم ، ولم تقل آية الوضوء ما يبين أن الذي ظهر لهم في ذلك الوقت حكم التيمم ، لا حكم الوضوء .

وقال صاحب الشفاء : ذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ، ثم نزل فرضه في آية التيمم .

وقال الجمهور : بل كان قبل ذلك فرضا ، ويتوجه قول أصحابنا ، والجمهور وكلام القرطبي ; ولهذا قالت عن الذين ذهبوا في طلب القلادة " فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء : فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك ، فنزلت آية التيمم " ، ويلزم من كون التيمم بدلا واجبا في سورة النساء وجوب المبدل ، وهذا واضح جدا ، ويوافق ذلك ما رواه أحمد والدارقطني من رواية ابن لهيعة عن أسامة بن زيد بن حارثة عن أبيه مرفوعا : { أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء ، فلما فرغ من الوضوء ، أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه } وروياه أيضا عن أسامة مرفوعا من رواية ابن رشد بن سعد ، وهذا يدل على أن للخبر أصلا ، ونسبة هذا إلى أحمد يخرج على أن ما رواه ولم يرده : هل يكون مذهبا له ؟ وسبق فيه في الخطبة وجهان ، وقد يؤخذ من كلام أبي الخطاب في فصل أركان الصلاة وشروطها من صفة الصلاة أن الأمر بالوضوء إنما هو في آية المائدة ، والله أعلم . وعن ابن عمر مرفوعا : { من توضأ ثلاثا فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي } إسناده ضعيف رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما ، وزاد أبو يعلى الموصلي وغيره في آخره : { ووضوء خليلي إبراهيم } .

وعن ابن عمر [ ص: 366 ] وأنس مرفوعا مثله ولفظه في آخره { ووضوء إبراهيم خليل الرحمن } إسناده ضعيف ، قال البيهقي : غير ثابت ، وعن أبي بن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم { توضأ ثلاثا وقال : هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي } إسناده ضعيف ، رواه ابن ماجه والدارقطني ، وعلى هذا لا يكون الوضوء من خصائص هذه الأمة ، وقاله أبو بكر بن العربي المالكي وغيره ، وقد يحتمل أن يكون هذا المتن حسنا لكثرة طرقه ، وقد ذكر بعض أصحابنا التيمم من خصائص هذه الأمة ، للخبر الصحيح ، فدل أن الوضوء ليس كذلك .

وقاله القرطبي المالكي وغيره ، وعلى هذا يكون المراد بخبر أبي هريرة : { أن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء } أنهم امتازوا بالغرة والتحجيل ، لا بالوضوء ، ويحتج به في مسألتنا ، لأن الله أمره باتباعهم بمكة في قوله : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وفي قوله : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وقال ابن عبد البر : قد يجوز أن الأنبياء عليهم السلام يتوضئون فيكتسبون بذلك الغرة والتحجيل ، ولا يتوضأ أتباعهم ، كما جاء عن موسى عليه السلام أنه قال : " أجد أمة كلهم كالأنبياء ، فاجعلهم أمتي " قال : تلك أمة أحمد في حديث فيه طول ، قال : وقد قيل إن سائر الأمم كانوا يتوضئون ، ولا أعرفه من وجه صحيح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية