صفحة جزء
قال : ومن أظهر الإسلام وأسر الكفر فمنافق كافر ، كعبد الله بن أبي ابن سلول ، وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه أنه لا يفعل فنفاق ، كقوله في ثعلبة { ومنهم من عاهد الله } الآية ، وهل يكفر ؟ على وجهين : وجه كفره أنه شاق الله ورسوله ، ورد رسول رسول الله فكفر ، قال : وطائفة من أصحابنا قالوا كله كفر لأنه مكذب .

والذي أقول إن ما كان من النفاق في الأفعال لا يكفر وذلك فيما سأله إسحاق بن إبراهيم عمن لا يخاف النفاق على نفسه ، فقال أحمد : ومن يأمن النفاق ؟ فبين أنه يكون في غالب حال الإنسان ، ولا يدل على كفره . وفي معنى النفاق الرياء للناس ، ومراده بذلك : ولا يكفر به ، فكذا هذا النفاق ، أو أنه نفاق ، فهو مثله : ولأحمد من حديث عقبة وعبد الله بن عمر : { وأكثر منافقي أمتي قراؤها } والمراد الرياء ، ولعل مراد من قال كله كفر غير ناقل عن الملة ، كقول أحمد : كفر دون كفر ، وإلا فضعيف جدا ، وظاهر كلام الإمام أحمد وأصحابه لا يكفر إلا منافق أسر الكفر ( م 2 ) [ ص: 167 ] قال : ومن أصحابنا من أخرج الحجاج عن الإسلام لأنه أخاف المدينة ، وانتهك حرم الله وحرم رسوله فيتوجه عليه ، يزيد ونحوه . ونص أحمد خلاف ذلك ، وعليه الأصحاب ، وأنه لا يجوز التخصيص باللعنة ، خلافا لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما .

وقال شيخنا : ظاهر كلامه لكراهة ، وفي شرح مسلم : أجمع العلماء أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال يعني الأربع التي من كن فيه كان منافقا خالصا لا يكفر ، ولا هو منافق يخلد في النار ، فإن إخوة يوسف وغيرهم جمعوا هذه الخصال .

قال أكثر العلماء : ومعنى الخبر أنه يشبه المنافق ، فإنه أظهر خلاف ما أبطن ، قال بعضهم : ومن ندر ذلك منه فليس داخلا في الخبر .

وقال الترمذي : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل .

وقال جماعة : المراد المنافقون الذين كانوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال فيخاف أن يفضي به إلى حقيقة النفاق .

وقد ذكر معنى هذه الأقوال أو بعضها في أحاديث ، ولا يكفر من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده ، ولعل هذا ( ع ) ، وروى ابن عساكر في ترجمة محمد بن سعيد بن هناد : سمعت يحيى بن خلف بن الربيع الطرسوسي قال : جاء رجل إلى مالك بن أنس وأنا شاهد فقال : ما تقول في رجل يقول القرآن مخلوق ؟ فقال : كافر زنديق ، خذوه فاقتلوه . فقال الرجل : إنما أحكي كلاما سمعته ، فقال : إنما سمعته منك .


[ ص: 166 ] مسألة 2 ) قوله : وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه أنه لا يفعل فنفاق كقوله في ثعلبة { ومنهم من عاهد الله } الآية ، وهل يكفر ؟ على وجهين وجه كفره أنه شاق الله ورسوله ورد رسول رسول الله فكفر ، قال : وطائفة من أصحابنا قالوا : كله كفر ، لأنه مكذب ، والذي أقول : إن ما كان من النفاق في الأفعال لا يكفر وظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب لا يكفر إلا منافق أسر الكفر ، انتهى .

[ ص: 167 ] هذا كله من كلام القاضي ، والصواب أنه لا يكفر إلا من أسر الكفر لا غيره ، كما قال القاضي : إنه ظاهر كلام الإمام والأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية