صفحة جزء
ويشترط لليمين المنعقدة قصد عقدها على مستقبل ، وتقدم المستحيل في طلاق المستقبل فإن حلف بالله على ماض كاذبا عالما كذبه فغموس ، وعنه : يكفر ويأثم ، كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر ، فيكفر كاذب في لعانه ، ذكره في الانتصار واحتج غير واحد على عدم التكفير بقوله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ، فكيف يقال إن الجزاء غير هذا وإن الكفارات تمحص هذا .

وقال شيخنا : من قال يكفر الغموس ، قال يكفر الغموس في ذلك أيضا ، وأما من قال : لا كفارة في المستقبل ، أو أنه يلزمه فيه ما التزمه ، فالماضي أولى ، وأما من قال اليمين الغموس بالله لا تكفر ، وأن اليمين بالنذر والكفر وغيرهما يكفر ، فلهم في اليمين الغموس بذلك قولان : أحدهما يلزمه ما التزمه من نذر وكفر ، وغيرهما قاله بعض الحنفية وبعض الحنبلية .

وقال محمد بن مقاتل : يعني الحنفي في الحلف بالكفر ، وقاله جدنا أبو البركات في الحلف بالنذر ونحوه ، وهؤلاء يحتجون بقوله عليه السلام { من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال } ، والثاني وهو قول الأكثرين أنه لا يلزمه ما التزمه في اليمين الغموس إلا إذا كان يلزمه ما التزمه في اليمين [ ص: 344 ] على المستقبل ; لأنه في جميع صور الأيمان لم يقصد أن يصير كافرا ولا ناذرا ولا مطلقا ولا معتقا ، لأنه إنما قصده في الماضي الخبر التصديق أو التكذيب ، وأكده باليمين كما يقصد الحظ أو المنع في الأمر أو النهي ، وأكده باليمين ، فكما قالوا يجب الفرق في المستقبل بين من قصده اليمين وقصده الإيقاع ، وأن الحالف لا يلتزم وقوعه عند المخالفة ، والموقع يلتزم ما يريد وقوعه عند المخالفة ، فهذا الفرق موجود في التعليق على الماضي ، فإنه تارة يقصد اليمين ، وتارة يقصد الإيقاع ، فالحالف يكره لزوم الجزاء ، وإن حنث صدق أو كذب لم يقصد إيقاع ما التزمه إذا كذب ، كما لم يقصد في الحظ والمنع والشارع لم يجعل من التزم شيئا يلزمه ، سواء بر أو فجر ، ولهذا لم يكفر باليمين الغموس إجماعا لأنه لم يقصد نفي حرمة الإيمان بالله ، لكن فعل كبيرة مع اعتقاده أنها كبيرة ، والقول في الخبر كنظائره كفر دون كفر ، وقد يجتمع في الإنسان شعبة من شعب الكفر والنفاق . وإن عقدها على ماض واختار شيخنا : أو مستقبل ظانا صدقه فلم يكن ، كمن حلف على غيره يظن أنه يعطيه فلم يفعل ، أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك ، وأن المسألة على روايتين كمن ظن امرأة أجنبية فطلقها فبانت امرأته ونحوها مما يتعارض فيه التعيين الظاهر [ ص: 345 ] والقصد ، فلو كانت يمينه بطلاق ثلاث ثم قال أنت طالق مقرا بما وقع أو مؤكدا له لم يقع وإن كان منسيا ، فقد أوقعه بمن يظنها أجنبية ، فالخلاف قاله شيخنا ، ومثله في المستوعب وغيره بحلفه أن المقبل زيد أو ما كان أو كان كذا فكمن فعل مستقبلا ناسيا وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق ، زاد في التبصرة مثله في المسألة بعدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية