صفحة جزء
وكل يمين مكفرة كاليمين بالله ، قال شيخنا : حتى عتق وطلاق وأن هل فيهما لغو ؟ على قولين في مذهب أحمد ومراده ما سبق ، وإن جرى على لسانه ولم يقصدها لا والله وبلى والله ; فلا كفارة ، على الأصح ، وعنه : في الماضي ، وهل هي لغو اليمين أو المسألة قبلها ؟ فيه روايتان ( م 4 ) وقيل : هما ، قالت عائشة " أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب " ، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على حد [ ص: 346 ] من الأمر في غضب أو غيره إسناده جيد ، احتج به أصحابنا ، وذكر أحمد أوله فيما خرجه في محبسه ، ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله متصلا ، وعنه وجزم به في عيون المسائل : ومع فصل يسير ولم يتكلم ، وعنه : وفي المجلس ، وهو في الإرشاد عن بعض أصحابنا ، وفي المبهج : ولو تكلم ، قدم الاستثناء على الجزاء أو أخره ، فعل أو ترك ، لم تلزمه كفارة قال أحمد : قول ابن عباس " إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه " ليس هو في الأيمان إنما تأويله قول الله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت } فهذا استثناء من الكذب ; لأن الكذب ليس فيه كفارة ، وهو أشد من اليمين ، لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر ، قال ابن الجوزي : فائدة الاستثناء خروجه من الكذب ، قال موسى { ستجدني إن شاء الله صابرا } ولم يصبر فسلم منه بالاستثناء ، وكلامهم يقتضي إن رده إلى يمينه لم ينفعه ، لوقوعها وتبيين مشيئة الله ، واحتج به الموقع في أنت طالق إن شاء الله ، قال أبو يعلى الصغير في اليمين بالله ومشيئة الله : تحقيق مذهبنا إنما يقف على إيجاد فعل أو تركه ، فالمشيئة متعلقة على الفعل ، فإذا وجد ذلك تبينا أنه شاء وإلا فلا ، وفي الطلاق المشيئة انطبقت على اللفظ بحكمه الموضوع له وهو الوقوع ، ويعتبر نطقه إلا من مظلوم خائف ، نص على ذلك ، ولم يقل في المستوعب : خائف ، وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان ، فائدتهما [ ص: 347 ] فيمن سبق على لسانه عادة ، أو أتى به تبركا ( م 5 ) ولم يعتبره شيخنا ، ولو أراد تحقيقا لإرادته ونحوه ، لعموم المشيئة .

وفي الترغيب وجه : يعتبر قصد الاستثناء أول كلامه ، وكذا قوله إن أراد الله وقصد بالإرادة المشيئة ، لا محبته وأمره ، ذكره شيخنا . وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه .

وقال شيخنا : إلا ممن عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض ، والأصل وجوب العبادة ، ومن كان حنثه في يمينه خيرا استحب ، وقدم في الترغيب أن بره وإقامته على يمينه أولى ، ولا يستحب تكرار حلفه فقيل : يكره ، ونقل حنبل : لا يكثر الحلف فإنه مكروه ، وإن دعي . محق لليمين عند حاكم فالأولى افتداء نفسه ، وقيل : يكره حلفه ، وقيل : مباح ، ونقله حنبل كعند غير حاكم ويتوجه فيه : يستحب لمصلحة ، كزيادة طمأنينة وتوكيدا لأمر وغيره ، ومنه { قوله عليه السلام لعمر رضي الله عنه عن صلاة العصر : والله ما صليتها } تطبيبا منه لقلبه ، وكذا قال بعض أصحابنا في كتابه الهدي عن قصة الحديبية ، فيها جواز الحلف بل استحبابه على الخير الديني الذي يريد تأكيده ، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا ، وأمره الله بالحلف على تصديق ما أخبره في ثلاث مواضع من القرآن ، في سورة سبأ ويونس والتغابن .

وإن قال : إن فعلت كذا فعبد فلان حر ، أو ماله صدقة ونحوه ، وفعله ، فلغو ، وعنه : يكفر كنذر معصية ، وإن حرم حلالا غير زوجته ، نحو ما أحل الله علي حرام ، ولا زوجة له ، لم يحرم ويكفر إن فعله ، نص عليه ، وقيل : يحرم حتى يكفر ، وكذا تعليقه بشرط ، نحو إن أكلته فهو علي حرام ، نقله أبو طالب ، قال في الانتصار : وطعامي علي كالميتة والدم .


[ ص: 345 ] مسألة 4 ) قوله : " وهل هي لغو اليمين أو المسألة قبلها ، فيه روايتان " ، انتهى . يعني هل لغو اليمين أن يجري على لسانه من غير قصد قول لا والله وبلى والله أو هو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه ؟ أطلق الخلاف في ذلك ، وأطلقه في الهداية والمذهب .

( إحداهما ) : هو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه ، وهو ظاهر كلامه في المقنع ، وقدمه في الرعايتين .

( والرواية الثانية ) هو قوله : لا والله وبلى والله ونحوه إذا جرى على لسانه ولم يقصده ، وهو الصحيح ، وجزم به في المحرر والحاوي الصغير والوجيز والعدة مع أن كلامه في العدة يحتمل أن يعود إلى الصورتين . [ ص: 347 ]

( مسألة 5 ) قوله : " وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان ، فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة أو أتى به تبركا " ، انتهى .

( أحدهما ) يعتبر قصد الاستثناء ، اختاره القاضي ، وجزم به في المستوعب والبلغة والنظم والمحرر والوجيز وغيرهم ، وصححه في الرعاية الكبرى ، قال الزركشي : واشترط القاضي وأبو البركات وغيرهما مع الاتصال أن ينوي الاستثناء قبل تمام المستثنى منه ، وظاهر بحث أبي محمد أن المشترط قصد الاستثناء فقط ، حتى لو نوى عند تمام يمينه صح استثناؤه ، قال : وفيه نظر ، انتهى .

( والوجه الثاني ) : لا يعتبر قصد الاستثناء ، وهو ظاهر كلام الخرقي وصاحب المقنع وجماعة ، وذكر ابن البنا وبناه على أن لغو اليمين عندنا صحيح ، وهو ما كان على الماضي وإن لم يقصده ، واختاره الشيخ تقي الدين .

[ ص: 348 ] ( تنبيه )

قوله : " نحو ما أحل الله علي حرام أو لا زوجة له " كذا في النسخ ، وصوابه " ولا زوجة له " بإسقاط الألف قبل الواو وإنما قال ذلك لئلا يشملها كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية