صفحة جزء
وإن حلف لا يفارق البلد إلا بإذن الوالي أو لا رأى منكرا إلا رفعه إليه ، أو لا تخرج امرأته وعبده إلا بإذنه ، فعزل ، وطلق وأعتق ، أو حلف لا دخله لظلم رآه فيه فزال ، ونوى " ما دام " ، لم يحنث ، ومع السبب فيه روايتان ، ونصه : يحنث ( م 3 ) وإن انحلت بعزله على أحد الوجهين [ ص: 361 ] لم يبر برفعه المنكر بعد عزله ، وفي حنثه بعزله أوجه ، الثالث يحنث إن [ ص: 362 ] أمكنه في ولايته ( م 4 - 6 ) وإن لم تنحل بعزله فرفعه إليه بعد عزله بر ، [ ص: 363 ] وإن لم يعين الوالي إذن ففي تعيينه وجهان في الترغيب ، للتردد بين تعيين العهد والجنس ، وفيه : لو علم به بعد علمه فقيل : فات البر ، كما لو رآه معه ، وقيل : لا ، لإمكان صورة الرفع ، فعلى الأول : هو كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضينه ، وفيه وجهان ( م 7 - 9 ) وكذا قوله جوابا لقولها تزوجت [ ص: 364 ] علي : كل امرأة لي طالق ، تطلق ، على نصه ، وقطع به جماعة ، أخذا بالأعم من لفظ وسبب : وقوله لمن عليه دينه : إن خرجت فعبدي حر ، ونحوه ، ويتوجه مثله من قيل له خرجت امرأتك فطلقها ، أو قال له عبده قدم أبوك أو مات عدوك فأعتقه ، ولم يوقعه ابن عقيل لبطلان الخبر ، لدلالة الحال ، لأنه مقدر بشرط أو تعليل . وفي الانتصار في قوله لأكبر منه : هو حر لأنه ابني ، عتق ولم يقبل تعليله بكذب ، كقوله أنت طالق لأنك قمت ، وقع ، إن كانت ما قامت .


[ ص: 360 ] مسألة 3 ) قوله : " وإن حلف لا يفارق البلد إلا بإذن الوالي أو لا رأى منكرا إلا رفعه إليه ، أو لا تخرج امرأته وعبده إلا بإذنه فعزل ، وطلق ، وأعتق ، أو حلف لا دخله لظلم رآه فيه فزال ، ونوى " ما دام " لم يحنث ، ومع السبب فيه روايتان ، ونصه : يحنث " ، انتهى .

هذه المسائل الخمس تنزع إلى قاعدة هي أصل هذه المسائل كلها وغيرها ، وهي أن اللفظ العام هل يخص بسببه الخاص إذا كان السبب هو المقتضي له ، أو يقضى بعموم اللفظية ؟ وجهان للأصحاب ، قاله في القاعدة الرابعة والعشرين بعد المائة ، وتابعه في القواعد الأصولية .

( أحدهما ) العبرة بعموم اللفظ ، قال في الرعايتين والحاوي الصغير أول الباب : فإن كان اللفظ أعم من السبب أخذ بعموم اللفظ ، وقيل : بل بخصوص السبب ، انتهى .

وقال الناظم فإن كان معناه أعم فخذ به وخل خصوص اللفظ عنده تسدده ، واختاره القاضي في الخلاف ، والآمدي وأبو الفتح الحلواني ، وأبو الخطاب ، وغيرهم ، قال [ ص: 361 ] في القواعد الفقهية : وأخذوه من نص أحمد في رواية علي بن سعيد فيمن حلف لا يصطاد من نهر لظلم رآه فيه فزال الظلم ، قال أحمد : النذر يوفي به ، وكذلك أخذوه من قاعدة المذهب فيمن حلف لا يكلم هذا الصبي فصار شيخا أنه يحنث بتكليمه ، تغليبا للتعيين على الوصف ، قالوا : والسبب والقرينة عندنا تعين الخاص ولا تخصص العام ، انتهى .

قال المصنف هنا : ونصه : يحنث ، وذلك لأن الاعتبار بعموم اللفظ .

( والوجه الثاني ) العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ ، وهو الصحيح عند صاحب المغني والبلغة والمحرر ، لكن المجد استثنى صورة النهر وما أشبهها ، كمن حلف لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ثم زال الظلم ، فجعل العبرة في ذلك بعموم اللفظ ، وعدى الشيخ الموفق الخلاف إليها أيضا . ورجحه ابن عقيل في عمد الأدلة وقال : هو قياس المذهب ، وجزم به القاضي في موضع من المجرد ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وفرق بينه وبين مسألة النهر المنصوصة ، وذكره ، قال في القواعد : وهذا أحسن ، وقد يكون جده لحظ هذا ، انتهى .

فتلخص في ذلك ثلاثة أقوال ، وقال الزركشي أيضا لما تكلم على لفظ الخرقي : إذا لم ينو شيئا لا ظاهر اللفظ ولا غير ظاهره رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ، فإذا حلف لا يأوي مع امرأته في هذه الدار ، وكان سبب يمينه غيظا من جهة الدار ، لضرر لحقه من جيرانها أو منه حصل عليه بها ، ونحو ذلك اختصت يمينه بها ، كما هو مقتضى اللفظ ، وإن كان لغيظ من المرأة يقتضي جفاها ولا أثر للدار فيه تعدى ذلك إلى كل دار ، المحلوف عليها بالنص ، وما عداها بعلة الجفا التي اقتضاها السبب ، وكذا إذا حلف لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ، أو لا يكلم زيدا لشربه الخمر ، فزال الظلم ، وترك زيد شرب الخمر ، جاز له الدخول والكلام ، لزوال العلة المقتضية لليمين .

وكلام الخرقي يشمل ما إذا كان اللفظ خاصا والسبب يقتضي التعميم كما مثلنا أولا ، أو كان اللفظ عاما والسبب يقتضي التخصيص كما مثلنا ثانيا ، ولا نزاع بين الأصحاب فيما علمت في الرجوع إلى السبب المقتضي للتعميم ، واختلف في عكسه ، فقيل : فيه وجهان ، وقيل : روايتان ، وبالجملة فيه قولان أو ثلاثة :

( أحدها ) وهو المعروف عند القاضي في التعليق وفي غيره ، واختيار عامة أصحابه الشريف وأبي الخطاب في خلافيهما : يؤخذ بعموم اللفظ ، وهو يقتضي نص أحمد ، وذكره [ ص: 362 ]

( والقول الثاني ) وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار أبي محمد ، وحكي عن القاضي في موضع : يحمل اللفظ العام على السبب ، ويكون ذلك السبب مبنيا على أن العام أريد به خاص .

( والقول الثالث ) لا يقتضي التخصيص : فيما إذا حلف لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ، ويقتضي التخصيص فيما إذا دعي إلى غداء فخلف لا يتغدى ، أو حلف لا يخرج عبده ولا زوجته إلا بإذنه والحال يقتضي ما داما كذلك . وقد أشار القاضي إلى هذا في التعليق انتهى كلام الزركشي ، وهو موافق لما قاله في القواعد وغيره ، وكل منهما زاد في النقول على الآخر من جهة من اختار في المسألة . وملخصه أن القاضي وعامة أصحابه كالشريف وأبي الخطاب في خلافيهما ، وأبي الفتح الحلواني والآمدي وغيرهم قالوا : الاعتبار بعموم اللفظ ، وهو المنصوص ، وقدمه في الرعايتين والحاوي ، وهو ظاهر ما جزم به الناظم ، وأن ابن عقيل في عمد الأدلة والشيخ الموفق والشارح وصاحب البلغة والشيخ تقي الدين ، والقاضي في موضع في المجرد ، واختاره ابن رجب ، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره ، قالوا : الاعتبار بخصوص السبب ، وهو الصواب ، وأن المجد ومن تبعه فرقوا ، وأشار إليه القاضي في التعليق ، كما نقله الزركشي . وإن كان المجد لحظ ما قاله حفيده فيكون قد وافق الموفق ، والله أعلم .

( مسألة 4 - 6 ) قوله : وإن انحلت بعزله في أحد الوجهين لم يبر برفعه المنكر بعد عزله ، وفي حنثه ، بعزله أوجه ، الثالث : يحنث إن أمكنه في ولايته ، انتهى .

ذكر مسألتين :

( المسألة الأولى 4 ) هل تنحل يمينه بعزل الوالي أم لا ؟ ظاهر كلام المصنف إطلاق الخلاف ، وأطلقه في المقنع والشرح وشرح ابن منجى وغيرهم :

( أحدهما ) تنحل يمينه ، صححه في التصحيح ، وهو ظاهر كلامه في الوجيز ، وظاهر ما اختاره الشيخ الموفق وغيره أو لا ، وهو الصواب .

( الوجه الثاني ) لا تنحل يمينه ، قال القاضي : قياس المذهب لا تنحل ، وهما مبنيان على القاعدة المتقدمة ، صرح به في القواعد والمغني وغيرهما .

وقال في الترغيب : إن كان السبب أو القرائن تقتضي حالة الولاية اختص بها ، وإن كانت تقتضي الرفع إليه بعينه [ ص: 363 ] مثل أن يكون مرتكب المنكر قرابة الوالي مثلا وقصد إعلامه بذلك لأجل قرابته وذكر الولاية تعريفا تناول اليمين حال الولاية والعزل .

( المسألة الثانية 5 ) إذا قلنا تنحل يمينه ورأى المنكر في ولايته ولم يرفعه حتى عزل فهل يحنث أم لا ؟ أو يحنث إن أمكنه ؟ أطلق ثلاثة أوجه ، وفيه مسألتان :

( إحداهما ) : إذا أمكنه رفعه ولم يرفعه ، وفيها وجهان ، وأطلقهما في المغني والشرح والمصنف :

( أحدهما ) يحنث بعزله ، وهو أولى :

( والوجه الثاني ) لا يحنث .

( والثالثة 6 ) إذا لم يمكنه رفعه حتى عزل أو مات فهل يحنث أم لا ؟ أطلق الخلاف .

( أحدهما ) يحنث ، قدمه في المغني والشرح .

( والوجه الثاني ) لا يحنث ، ( قلت ) وهو الصواب ، وأطلق الخلاف في الترغيب .

( مسألة 7 - 9 ) قوله : " وإن لم تنحل بعزله فرفعه إليه بعد عزله بر ، وإن لم يعين الوالي إذن ففي تعيينه وجهان في الترغيب ، للتردد بين تعيين العهد والجنس ، وفيه ، لو علم به بعد علمه فقيل : فات البر ، كما لو رآه معه ، وقيل : لا ، لإمكان صورة الرفع ، فعلى الأول : هو كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضينه ، وفيه وجهان " ، انتهى .

فيه مسائل من الترغيب أطلق فيها الخلاف ، واقتصر عليه ، وأطلقهما في القواعد الأصولية .

( المسألة الأولى 7 ) إذا لم يعين الوالي فهل يتعين ويكون من كان في زمن حلفه أو لا يتعين ؟ أطلق الخلاف [ ص: 364 ]

( أحدهما ) : لا يتعين ( قلت ) : وهو الصواب ، حيث لم يكن نية ولا سبب ، فيكون للجنس ، فيشمل كل وال يولى .

( والوجه الثاني ) يتعين ، وهو من كان اليمين في زمنه ، فيكون للعهد ، وظاهر الحال يقتضي ذلك .

( المسألة الثانية 8 ) : لو علم به بعد علمه ، أي بعد علم الوالي ، صرح به في القواعد ، وهو واضح ، فهل فات البر ؟ كما لو رآه معه أو لا ، لإمكان صورة الرفع ، أطلق الخلاف ، وكذا قال في القواعد ، وهذا لفظ صاحب الترغيب فنقلاه .

( قلت ) : هي شبيهة بما إذا لم يمكنه رفعه إليه إلا بعد عزله ، على ما تقدم ، والصواب أن البر قد فات ، وهو الظاهر من حال الحالف .

( المسألة الثالثة 9 ) على القول بأن البر قد فات ، قال : هو كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضينه ، وفيه وجهان ، وأطلقهما المصنف في أواخر هذا الباب ، والصحيح أنه لا يحنث ، صححه في التصحيح ، وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي ومنوره ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم ، وقدمه في المحرر والنظم ، فكذا الصحيح هنا أنه لا يحنث ، ويأتي ذلك عند كلام المصنف فيها محررا إن شاء الله تعالى في المسألة الحادية والأربعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية