صفحة جزء
ويحرم قبوله رشوة ، وكذا هدية بخلاف مفت . قال عمر بن عبد العزيز : كانت الهدية فيما مضى هدية ، وأما اليوم فهي رشوة .

وقال كعب الأحبار : قرأت في بعض ما أنزل الله تعالى على أنبيائه : الهدية تفقأ عين الحكم ، قال الشاعر :

إذا أتت الهدية دار قوم تطايرت الأمانة من كواها

وقال منصور الفقيه :

إذا رشوة من باب بيت تقحمت     لتدخل فيه والأمانة فيه
سعت هربا منه وولت كأنها     حليم تنحى عن جوار سفيه

فإن قبل ذلك فقيل : تؤخذ لبيت المال ، لخبر ابن اللتبية ، وقيل : [ ص: 448 ] ترد ، كمقبوض بعقد فاسد ، وقيل : تملك بتعجيله المكافأة ( م 1 ) فعلى الأول : هدية العامل للصدقات ، ذكره القاضي ، فدل أن في انتقال الملك في الرشوة والهدية وجهين ( م 2 ) ويتوجه أن ما في الرعاية أن الساعي يعيد لرب المال بما أهداه إليه ، نص عليه ، وعنه : لا ، مأخذه ذلك ، ونقل مهنا فيمن اشترى من وكيل فوهبه شيئا أنه للموكل ، وهو يدل لكلام القاضي المتقدم ، ويتوجه فيه في نقل الملك الخلاف ، وجزم ابن تميم في عامل الزكاة إذا ظهرت خيانته برشوة أو هدية أخذها الإمام لا أرباب الأموال ، وتبعه في الرعاية ، ثم قال : قلت إن عرفوا رد إليهم ، قال أحمد فيمن ولي شيئا من أمر السلطان : لا أحب له أن يقبل شيئا ، يروي : { هدايا الأمراء غلول } ، والحاكم خاصة لا أحبه له إلا ممن كان له به خلطة ووصلة ومكافأة قبل أن يلي ، واختار شيخنا فيمن كسب مالا محرما برضا الدافع ثم تاب كثمن خمر ومهر بغي وحلوان كاهن أن له ما سلف ، للآية ، [ ص: 449 ] ولم يقل الله : فمن أسلم ، ولا من تبين له التحريم ، قال أيضا : لا ينتفع به ، ولا يرده لقبضه عوضه ، ويتصدق به ، كما نص عليه أحمد في حامل الخمر ، وقال في مال مكتسب من خمر ونحوه : يتصدق به ، فإذا تصدق به فللفقير أكله ، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه .

وقال أيضا : فيمن تاب إن علم صاحبه دفعه إليه وإلا صرفه في مصالح المسلمين ، وله مع حاجته أخذ كفايته ، وفي رده على الرافضي في بيع سلاح في فتنة وعنب لخمر : يتصدق بثمنه وأنه قول محققي الفقهاء ، كذا قال ، وقوله مع الجماعة أولى ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة { ما تصدق أحد بصدقة من كسب طيب . ولا يقبل الله تعالى إلا الطيب } وذكر الحديث ، .

ولمسلم من حديث أبي هريرة { إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا } .

قال أحمد : حدثنا محمد بن عبيد حدثنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا من يحب ، فمن أعطاه الله تعالى الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه ، قال : قلت : وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال : غشه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله تعالى لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكنه يمحو [ ص: 450 ] السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث } أبان قال : ابن معين وغيره ليس به بأس ، فلا يقبل قول الأزدي إنه متروك ، والصباح لم يتكلم فيه ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل .

وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، كذا قال ، وهو حديث حسن إن شاء الله .

وروى أبو داود الطيالسي عن جعفر بن سليمان عن النضر بن حميد الكندي عن أبي الجارود عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا { لا يعجبنك رحب الذراعين يسفك الدماء فإن له عند الله تعالى قاتلا أو قتيلا لا يموت ، ولا يعجبنك امرؤ كسب مالا من حرام ، فإنه إن أنفقه أو تصدق به لم يقبل منه ، وإن تركه لم يبارك له فيه ، وإن بقي منه شيء كان زاده إلى النار } رواه الطبراني من حديث جعفر بن سليمان ، وهو إسناد متروك ، وقال أحمد : حدثنا يزيد حدثنا عمرو بن ميمون عن أبيه قال : لما مرض عبد الله بن عامر مرضه الذي توفي فيه أرسل إلى ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم عبد الله بن عمر ، فقال لهم : قد نزل بي ما قد ترون ، ولا أراني إلا لما بي ، فما ظنكم بي ؟ فقالوا : قد كنت تعطي الفقير والسائل ، وتصل الرحم ، وحفرت الآبار بالفلوات لابن السبيل ، وبنيت الحوض بعرفة يشرع فيه حاج بيت الله ، فما نشك لك في النجاة . وعينه إلى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمر ساكت ، فلما أبطأ عليه بالكلام قال له : يا أبا عبد الرحمن ، مالك لا تتكلم ؟ قال : إذا طاب المكسب زكت النفقة ، وسترد فتعلم ، إسناد جيد .

وروى ابن أبي الدنيا عن محمد هو ابن سيرين قال : دخل ابن عامر على ابن عمر فقال : الرجل يصيب المال فيصل منه الرحم ويفعل منه [ ص: 451 ] ويفعل قال ابن عمر : إنك ما علمت لمن أجدرهم أن يفعل ذلك ، ولكن انظر ما أوله ، فإن كان أوله خبيثا ، فإن الخبيث كله خبيث . وله قبول هدية معتادة قبل ولايته ، مع أن ردها أولى ، والمذهب : إن لم يكن حكومة . وذكر جماعة : أو أحس بها .

وفي المستوعب : المحرم كالعادة .

وفي الفصول احتمال في غير عمله كالعادة .


[ ص: 448 ] باب أدب القاضي

( مسألة 1 ) قوله : في الرشوة والهدية " فإن قبل فقيل تؤخذ لبيت المال ، وقيل : ترد . وقيل : تملك بتعجيل المكافأة " ، انتهى . :

( والقول الأول ) احتمال في المغني والشرح .

( والقول الثاني ) هو الصواب ، قدمه في المغني والشرح .

( والقول الثالث ) لم أطلع على من اختاره ، وهو ضعيف .

( مسألة 2 ) قوله : " فعلى الأول هدية العامل للصدقات ، ذكره القاضي ، فدل أن في انتقال الملك في الرشوة والهدية وجهين " ، انتهى .

( أحدهما ) عدم الانتقال ، وهو الصواب .

( والوجه الثاني ) ينتقل ، وهو ظاهر الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية