البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( باب الأولياء والأكفاء ) شروع في بيان ما ليس بشرط لصحة النكاح عندنا وهو الولي وله معنى لغوي وفقهي وأصولي فالولي في اللغة خلاف العدو والولاية بالكسر السلطان والولاية النصرة ، وقال سيبويه الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر الاسم مثل الأمارة والنقابة ; لأنه اسم لما توليته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا كذا في الصحاح وفي الفقه البالغ العاقل الوارث ، فخرج الصبي والمعتوه والكافر على المسلمة . وفي أصول الدين : هو العارف بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسبما يمكن ، المواظب على الطاعات ، المجتنب عن المعاصي ، الغير المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد والولاية في الفقه تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى وهي في النكاح نوعان ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على العاقلة البالغة بكرا كانت أو ثيبا وولاية إجبار وهي الولاية على الصغير بكرا كانت أو ثيبا ، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة وتثبت الولاية بأسباب أربعة بالقرابة والملك والولاء والإمامة ، والأكفاء جمع كفء وهو النظير كما في المغرب وسيأتي بيانه ( قوله نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي ) ; لأنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج ، وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه ، ويدل عليه قوله تعالى { حتى تنكح } أضاف النكاح إليها ومن السنة حديث مسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها } وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ، فأفاد أن فيه حقين حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها ، وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه

وأما ما رواه الترمذي وحسنه { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } .

وما رواه أبو داود { لا نكاح إلا بولي } فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على صحته أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء ، والثاني محمول على نفي الكمال أو هي ولية نفسها وفائدته نفي نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة والمعتوهة والأمة كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة النساء في النكاح ، فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به ، وأما قوله تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فالمراد بالعضل المنع حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع عن العقد بدليل { أن ينكحن } حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية { وإذا طلقتم النساء } فلم يكن حجة أصلا قيده بالحرة احترازا عن الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي

وأطلقها فشمل البكر والثيب ، وأطلق فشمل الكفء وغيره ، وهذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء وما روي عنهما بخلافه فقد صح رجوعهما إليه

وروى الحسن عن الإمام [ ص: 118 ] أنه إن كان الزوج كفؤا نفذ نكاحها وإلا فلم ينعقد أصلا وفي المعراج معزيا إلى قاضي خان وغيره والمختار للفتوى في زماننا رواية الحسن وفي الكافي والذخيرة وبقوله أخذ كثير من المشايخ ; لأنه ليس كل قاض يعدل ولا كل ولي يحسن المرافعة والجثو بين يدي القاضي مذلة فسد الباب بالقول بعدم الانعقاد أصلا ، قال صدر الإسلام لو زوجت المطلقة ثلاثا نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها لا تحل للزوج الأول على ما هو المختار وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه وفي فتح القدير فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء

وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول . ا هـ .

وسيأتي في الكفاءة أن كثيرا من المشايخ أفتوا بظاهر الرواية ، وهذا كله إذا كان لها أولياء أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا ولا يخفى أنه لا يشترط مباشرة الولي للعقد ; لأن رضاه بالزوج كاف لكن لو قال الولي رضيت بتزوجها من غير كفء ولم يعلم بالزواج عينا هل يكفي صارت حادثة للفتوى وينبغي أن لا يكفي ; لأن الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره قاضي خان في فتاويه في مسألة ما إذا استأذنها الولي ولم يسم الزوج ، فقال ; لأن الرضا بالمجهول لا يتحقق ولم أره منقولا صريحا وسيأتي تمامه في الكفاءة إن شاء الله تعالى .


( قوله وفي الفقه : البالغ العاقل الوارث ) اعترضه الرملي بأن ذكر الوارث مما لا ينبغي فإن الحاكم ولي وليس بوارث [ ص: 118 ] ( قوله وينبغي أن لا يكفي إلخ ) نقله عنه في النهر وأقره ، وقال الرملي سيأتي في شرح قوله وإن استأذنها إلخ نقلا عن الظهيرية ، وهذا كله إذا لم تفوض الأمر إليه أما إذا فوضت بأن قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله إن أقوامك يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه فهو استئذان صحيح ا هـ .

فبه يعلم أنه في التفويض لا يشترط العلم بالزوج ومقتضاه أن الولي لو قال أنا راض بما تفعلين أو زوجي نفسك ممن تختارين ونحوه أنه يكفي وهو ظاهر إذ قد فوض الأمر إليها تفعل ما شاءت ولأنه من باب الإسقاط فيصح وكلام الظهيرية كالصريح فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية