البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : وإن جعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا كهذا البيت فهدم أو بني آخر ) بيان لثلاث مسائل : الأولى لو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت فجعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا يحنث بدخوله فيه ; لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه ، وكذا إذا غلب عليها الماء أو جعلت نهرا فدخله قيد بالإشارة مع التسمية ; لأنه لو أشار ، ولم يسم كما إذا حلف لا يدخل هذه ، فإنه يحنث بدخولها على أي صفة كانت دارا أو مسجدا أو حماما أو بستانا ; لأن اليمين عقدت على العين دون الاسم باقية كذا في الذخيرة .

وأشار إلى أنه لو دخله بعدما انهدم المبنى ثانيا من الحمام ، وما معه فإنه لا يحنث أيضا ; لأنه لا يعود إلى اسم الدارية بالتشديد ، وإلى أنه لو بني دارا بعدما انهدم ما بني ثانيا من الحمام وغيره فإنه لا يحنث أيضا ; لأنه غير تلك الدار التي منع نفسه من الدخول فيها . الثانية : لو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم فإنه لا يحنث لزوال اسم البيت فإنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث ; لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه كما في الهداية ; لأن البيت الصيفي ليس له سقف ، وأشار المصنف إلى أنه لو كان البيت منكرا فإنه لا يحنث بالأولى . والحاصل أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا فإذا دخله ، وهو صحراء لا يحنث لزوال الاسم بزوال البناء ، وأما الدار ففرق فيه بين المنكرة [ ص: 326 ] والمعينة كما قدمناه .

وفي البدائع لو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين ، ولا يحنث في المنكر ; لأن السقف بمنزلة الصفة فيه ، وهي في الحاضر لغو ، وفي الغائب معتبرة . ا هـ . الثالثة : لو حلف لا يدخل هذا البيت فهدم وبني آخر فدخله لا يحنث ; لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام ، وهذا المبنى غير البيت الذي منع نفسه من دخوله .

وأشار المصنف إلى جنس هذه المسألة من حيث المعنى ، وهو ما إذا حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث ; لأن الحائط إذا هدم زال الاسم عنه ، وكذا الأسطوانة فبطلت اليمين ، وكذلك لو حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به لا يحنث ; لأن غير المبري لا يسمى قلما ، وإنما يسمى أنبوبا فإذا كسره فقد زال الاسم عنه فبطلت اليمين ، وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله مقصا آخر غير ذلك ; لأن الاسم قد زال بالكسر ، وكذلك كل سكين وسيف ، وقدر كسر ثم صنع مثله ، ولو نزع مسمار لنقص ، ولم يكسره ثم أعاد فيه مسمارا آخر حنث ; لأن الاسم لم يزل بزوال المسمار ، وكذلك إن نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر ; لأن السكين اسم للحديد .

ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أو جبة مبطنة أو محشوة أو قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاد يحنث ; لأن الاسم بقي بعد النقض يقال قميص مفتوق وجبة مفتوقة واليمين المنعقدة على العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين ، وكذلك لو حلف لا يركب بهذا السرج فنقضه ثم أعاده ، ولو حلف لا يركب هذه السفينة فنقضها ثم استأنفها بذلك الخشب فركبها لا يحنث ; لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض وزوال الاسم يبطل اليمين ، ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخلطه ونام عليه حنث ; لأن فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه ، ولو حلف لا يلبس شقة غزل بعينها فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لا يحنث ; لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم المحلوف عليه ، ولو حلف على قميص لا يلبسه فقطعه جبة محشوة فلبسه لا يحنث ; لأن الاسم قد زال فزالت اليمين ، ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم ألف ورقه وخرز دفتيه ثم قرأ فيه حنث ; لأن اسم المصحف باق ، وإن فرقه ، ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع شراكها وشركها بغيره ثم لبسها حنث ; لأن اسم النعل يتناولها بعد قطع الشراك .

، ولو حلفت امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانبها فجعلت درعا وجعلت لها جيبا ثم لبستها لم تحنث ; لأنها درع ، وليست بملحفة فإن أعيدت ملحفة فلبستها حنثت ; لأنها عادت ملحفة بغير تأليف ، ولا زيادة ، ولا نقصان فهي على ما كانت عليه ، وقال ابن سماعة عن محمد في رجل حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة فدخلها لا يحنث ; لأن اليمين ، وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها ، ولو قال مسجد بني فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث ، وكذلك الدار ; لأنه علق يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة ، ولو حلف لا يدخل في هذا الفسطاط ، وهو مضروب في موضع فقلع وضرب في موضع آخر فدخل فيه حنث ، وكذلك القبة من العيدان ، وكذلك درج من عيدان أو منبر ; لأن الاسم في هذه الأشياء لا يزول بنقلها من مكان إلى مكان كذا في البدائع .


( قول المصنف وإن جعلت بستانا إلخ ) قال الرملي قد سئلت عما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فقسمت ووقع في قسمة الحالف منها بيت فجعل له استطراق من غيرها هل يحنث بدخوله ؟ . فأجبت لا يحنث لعدم دخوله الدار والحالة هذه والله تعالى أعلم . ا هـ .

قلت : لينظر هذا مع ما سيأتي قبيل قوله لا يخرج فأخرج محمولا ، ولو حلف لا يساكن فلانا في دار وسمى دارا بعينها فتقاسماها وضرب كل واحد بينهما حائطا ، وفتح كل واحد منهما لنفسه بابا ثم سكن الحالف في طائفة [ ص: 326 ] والآخر في طائفة حنث ، ولو لم يعين الدار في يمينه ، ولكن ذكر دارا على التنكير وباقي المسألة بحالها لا يحنث . ا هـ . فليتأمل .

( قوله : وفي البدائع لو انهدم السقف إلخ ) قال في النهر : فيه نظر بل لا فرق بين المنكر والمعرف حيث صلح ; لأن يبات فيه فتدبره .

التالي السابق


الخدمات العلمية