البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : ولو عين البسر والرطب واللبن لا يحنث برطبه وتمره وشيرازه بخلاف هذا الصبي ، وهذا الشاب ، وهذا الحمل ) ; لأن صفة الرطوبة والبسورة داعية إلى اليمين ، وكذا كونه لبنا فيتقيد به فإذا حلف لا يأكل هذا البسر فأكله بعدما صار رطبا أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمرا يعني يابسا ، وهو بالتاء المثناة أو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بعدما صار شيرازا أي رائبا ، وهو الخاثر إذا استخرج ماؤه فإنه لا يحنث في هذه المسائل الثلاث بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو الشاب فكلمه بعدما شاخ فإنه يحنث ; لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع ; ولأن صفة الصبا داعية إلى المرحمة لا إلى الهجران فلا تعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة ، وكذا لو حلف لا يأكل هذا الحمل بفتحتين ، ولد الشاة فأكله بعدما صار كبشا فإنه يحنث ; لأن صفة الصغر في هذا ليست داعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش .

والأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه ، وما لا يصلح داعية اعتبر في المنكر دون المعرف قيد بقوله عين ; لأنه لو نكر فسيأتي ، وقيد بهذا الصبي ; لأنه لو حلف لا يكلم صبيا فكلم بالغا لا يحنث ; لأنه صار مقصودا بالحلف لكونه هو المعرف للمحلوف عليه فيجب تقييد اليمين به ، وإن كان حراما كذا في الكشف الكبير فالصبي من لم يبلغ ، وكذا الغلام فإذا بلغ فهو شاب ، وفتى إلى ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين على الاختلاف فهو كهل إلى خمسين سنة فهو شيخ كما في الذخيرة .

وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يأكل هذا العنب فصار زبيبا [ ص: 346 ] أو لا يأكل هذا اللبن فصار جبنا أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فراريجها أو لا يذوق من هذا الخمر فصار خلا أو حلف لا يأكل من زهرة هذه الشجرة فأكل بعدما صار لوزا أو مشمشا فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه يحنث ; لأنه تمر مفتت فإن التمر بجميع أجزائه قائم إذ تفرقت أجزاؤه لا غير كذا في المحيط ، وفسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن ، وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شيء من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم . ا هـ .

والكلام ليس بقيد في مسألتي الصبي ; لأنه لو حلف لا يجامع هذه الصبية فجامعها بعدما صارت كبيرة يحنث كما في البدائع ، ولو حلف لا يأكل من هذه الجدحة فأكلها بعدما صارت بطيخا لا رواية فيه واختلف المشايخ فيه كذا في البدائع أيضا ، وفيها أيضا إذا نوى في الفصول المتقدمة ما يوجب الحنث حنث ; لأنه شدد على نفسه . ثم اعلم أن الأصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه إن كان يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على جميعه ، ولا يحنث بأكل بعضه ; لأن المقصود الامتناع عن أكله ، وكل شيء لا يطاق أكله في المجلس ، ولا شربه في شربة يحنث بأكل بعضه ; لأن المقصود من اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه فلو حلف لا يأكل من ثمر هذا البستان أو من ثمر هاتين النخلتين أو من هذين الرغيفين أو من لبن هاتين الشاتين أو من هذا الغنم أو لا أشرب من ماء هذه الأنهار فأكل أو شرب بعضه يحنث ; لأن كلمة من للتبعيض فكانت اليمين متناولة بعض المذكور ، وقد وجد ، وكذلك لو قبض دينارا فوجد درهمين زائفين فحلف لا يأخذ منهما شيئا ، وأخذ أحدهما حنث ، ولو قال لا أشرب لبن هاتين الشاتين ونحو ذلك لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة ، ولا يعتبر شرب الكل ; لأنه غير مقصود .

ولو حلف لا يأكل سمن هذه الخابية فأكل بعضه حنث ، ولو كان مكان الأكل بيعا فباع بعضها لا يحنث ; لأن الأكل لا يتأتى على جميعه في مجلس واحد ويتأتى البيع ، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث حتى يأكلها كلها ، ولو حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكل كله دفعة واحدة لا يحنث حتى يأكل كله ، وإن لم يقدر حنث بأكل بعضه ، وهو الأصح المختار لمشايخنا ، ولو قال لامرأتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلت كل واحدة منهما رغيفا عتق العبد ، وكذلك لو أكلت إحداهما الرغيفين إلا شيئا ، وأكلت الباقي الأخرى يحنث كذا في المحيط ، وفي البدائع معزيا إلى الأصل بعدما ذكر هذه المسائل قال : ولو قال لا آكل هذه الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان ; لأن ذلك القدر لا يعتد به فإنه يقال في العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين إنه أكل رمانة ، وإن ترك نصفها أو ثلثها أو ترك أكثر مما لا يجري في العرف أنه يسقط من الرمانة لم يحنث ; لأنه لا يسمى أكلا لجميعها . ا هـ .

وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كالعدم كاللقمة ، وفي الواقعات اغترف من القدر ثم قال والله لا آكل من هذا القدر فأكل ما في القصعة لا يحنث ; لأن اليمين على ما بقي في القدر ثم قال في الفصل التاسع قال إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته طالق ثلاثا ، وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث لانعدام شرط الحنث في اليمين ، وهو أكل الكل أو ترك الكل .

ولو أخذ لقمة فوضعها في فيه فقال له رجل امرأتي طالق إن أكلتها ، وقال آخر امرأتي طالق إن أخرجتها من فيك فأكل البعض ، وأخرج البعض لم يحنث أحدهما ; لأن شرط الحنث أكل الكل أو إخراج الكل ، ولم يوجد قال هذا الرغيف علي حرام فأكل بعضه حنث ، وهذا بخلاف قوله لا آكل هذا الرغيف إذا كان [ ص: 347 ] مما يؤكل كله في مجلس واحد والفتوى على ذلك . ا هـ .

وقيد المصنف باليمين ; لأنه لو أوصى بهذا الرطب فصار تمرا ثم مات لم تبطل الوصية ; لأن بعض الموصى به قد فات ، وفوات بعض الموصى به لا يوجب بطلانها ، وفي اليمين تناول بعض المحلوف عليه فلا يحنث بخلاف ما إذا أوصى بعنب ثم صار زبيبا ثم مات الموصي بطلت الوصية والفرق أن الرطب والتمر صنف واحد لقلة التفاوت بينهما بخلاف العنب والزبيب فإنه تبديل ، وهلاك كذا في غاية البيان .


[ ص: 345 - 346 ] ( قوله : إن أكلت هذا الرغيف إلخ ) مشكل جدا كما قال في الحاوي الزاهدي قال فإنه يجب أن يحنث في يمين العتق ; لأنه لم يأكل الرغيف إذ نقول لا واسطة بين النفي والإثبات ، وكل واحد منهما شرط الحنث فيحنث في أحدهما ، وفي الجامع الأصغر عن أبي القاسم الصفار قال إن شرب فلان هذا الشراب فامرأته طالق ، وقال الآخر إن لم يشربه فلان فامرأته طالق فشربه فلان مع غيره أو انصب بعضه في الأرض حنث الثاني دون الأول . ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية