البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : والإدام ما يصطبغ به كالخل والملح والزيت لا اللحم والبيض والجبن ) أي هو شيء يصبغ الخبز إذا اختلط به ، وهذا عند أبي يوسف ، وقال محمد هو ما يؤكل مع الخبز غالبا ، وهو رواية عن أبي يوسف ; لأن الإدام من المؤادمة ، وهي الموافقة ، وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له كاللحم والبيض ونحوه ، ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة ليكون قائما به ، وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة ; ولأنه يذوب فيكون تبعا بخلاف اللحم ، وما يضاهيه ; لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد ، والعنب والبطيخ ليس بإدام بالإجماع ، وهو الصحيح .

وبهذا ظهر أن تخصيص الزيلعي الإدام بالمائع صحيح في الملح أيضا باعتبار أنه يذوب في الفم ويحصل به صبغ الخبز والاصطباغ افتعال من الصبغ ، ولما كان ثلاثيه ، وهو صبغ متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما فلا يقال اصطبغ الخبز ; لأنه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقام مقام الفاعل إذا بني الفعل له فإنما يقام غيره من الجار والمجرور [ ص: 353 ] ونحوه فلذا يقال اصطبغ به ، وذكر القلانسي في تهذيبه أن الفتوى على قول محمد للعرف . ا هـ .

وفي المحيط ، وقول محمد أظهر وبه أخذ الفقيه أبو الليث . ا هـ .

ويكفيه الاستدلال بالعرف الظاهر ; لأن مبناها عليه فلا حاجة إلى الاستدلال له بالحديث { سيد إدامكم اللحم } والحكاية هي أن ملك الروم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي بشر إدام على يد شر رجل فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن في بيت أصهاره ، وهو من أهل اللسان ; لأن كونه سيده لا يستلزم أن يكون منه إذ يقال في الخليفة سيد العجم ، وليس هو منهم ، وأما حكاية معاوية فيتوقف الاستدلال بها على صحتها ، وهي بعيدة إذ يبعد من إمام عادل أن يتكلف إرسال شخص إلى بلاد الروم ملتزما لمؤنته لغرض مهمل لكافر والسكن في بيت الصهر قط لا يوجب أن يكون الساكن شر رجل فآثار البطلان تلوح على هذه القضية كما في فتح القدير قال التمرتاشي : وهذا الاختلاف بينهم على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما وحنث عند محمد ، وإذا أكل الإدام وحده فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث ، وإن كان حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث بأكله وحده فلا بد من أن يأكل معه الخبز كما أشار إليه في الكشف الكبير ، وفي المحيط قال محمد التمر والجوز ليس بإدام ; لأنه يفرد بالأكل في الغالب فكذا العنب والبطيخ والبقل ; لأنه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا ، وكذلك سائر الفواكه حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف . ا هـ .

وفي الظهيرية والبقل ليس بإدام بلا خلاف على الأصح ، وفي البدائع سئل محمد عمن حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال الخبز المأدوم الذي يثرد ثردا يعني في المرق والخل ، وما أشبهه فقيل له فإن ثرد في ماء ، وملح فلم ير ذلك مأدوما ، وعن أبي يوسف أن تسمية هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم . ا هـ .


[ ص: 350 - 352 ] ( قوله : وهذا عند أبي يوسف ) عبارة الزيلعي ، وهذا عند أبي حنيفة ، وهو الظاهر من قول أبي يوسف [ ص: 353 ] ( قوله : وحنث عند محمد ) هو يقول إنه قد يؤكل وحده مقصودا فلا يصير تبعا للخبز بالشك بخلاف ما إذا أكله مع المائعات ; لأنها تبع له فلا يعد زيادة عليه ، وهما يقولان هو إدام من وجه ; لأنه قد لا يؤكل تبعا فلا يحنث بالشك زيلعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية