البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : فإن كفل بماله عليه فبرهن على ألف لزمه ) ; لأن الثابت بالبينة كالثابت عيانا ولا يكون قول الطالب حجة عليه كما لا يكون حجة على الأصيل ; لأنه مدع .

قوله ( وإلا صدق الكفيل فيما أقر بحلفه ولا ينفذ قول المطلوب على الكفيل ) أي وإن لم يبرهن فالقول للكفيل فيما يقر به مع يمينه على نفي العلم لا على البتات كما في الإيضاح ولا يكون قول المطلوب حجة عليه ; لأنه إقرار على الغير وهو معنى قوله ولا ينفذ قال العيني بالتشديد قيد بقوله على الكفيل ; لأنه ينفذ على نفسه ، قيد بقوله بما له عليه ; لأنه لو كفل بما ذاب لك على فلان أو بما ثبت فأقر المطلوب بمال لزم الكفيل لأن الثبوت حصل بقوله وذاب بمعنى حصل وقد حصل بإقراره بخلاف الكفالة بما لك عليه فإنها بالدين القائم في الحال وما ذاب ونحوه الكفالة بما سيجب والوجوب ثبت بإقراره وخرج أيضا ما إذا كفل بما قضي لك عليه فلا يلزمه إلا بقضاء القاضي ومثل ما لك عليه ما أقر لك به أمس فلو قال المطلوب أقررت له بألف أمس لم يلزم الكفيل ; لأنه قبل مالا واجبا عليه لا مالا يجب عليه في الحال ولم يثبت أنه واجب عليه فلو قال ما أقر به فأقر به للحال لزمه ولو قامت بينة أنه أقر له قبل الكفالة بالمال لم يلزمه ; لأنه لم يقل ما كان أقر لك ولو أبى المطلوب اليمين فالزمه القاضي اليمين فنكل لم يلزم الكفيل ; لأن النكول ليس بإقرار بل بذل . وفي الخلاصة رجل قال ما أقر به فلان فعلي فمات الكفيل ثم أقر فلان لزم في تركة الضامن وكذا ضمان الدرك ، وإذا كفل بهذا اللفظ في صحته ثم مرض الكفيل فأقر المطلوب بألف لزم المريض جميع ما أقر به في جميع ماله .

كذا في الخانية ، وفي الخلاصة رجل قال لآخر بايع فلانا فما بايعته من شيء فهو علي صح فإن قال الطالب بعته متاعا بألف وقبضه مني وأقر به المطلوب وجحد الكفيل يؤخذ به الكفيل استحسانا بلا بينة ولو جحد الكفيل والمكفول عنه البيع وأقام الطالب البينة على أحدهما أنه باعه وسلمه لزمهما وفي فتاوى قاضي خان [ ص: 243 ] رجل قال لغيره ما ذاب لك على فلان من حق أو ما قضي لك عليه من حق فهو علي فغاب المكفول عنه فأقام المدعي البينة على الكفيل أنه له على المكفول عنه ألف درهم لا تقبل بينته حتى يحضر المكفول عنه ولو أقام المدعي على الكفيل بينة أن قاضي بلد كذا قضى له على الأصيل بعد عقد الكفالة بألف درهم قبلت هذه البينة ويقضي على الكفيل بأمر ويكون ذلك قضاء على الغائب ، ولو كفل رجل عن رجل بأمره بما للطالب على المكفول عنه فغاب الأصيل فأقام الطالب البينة على الكفيل أن له على فلان الغائب ألف درهم وأنه كفل له بأمر فلان الغائب قبلت هذه البينة ويكون ذلك قضاء على الحاضر وعلى الغائب . ا هـ .

قوله ( فإن كفل بأمره رجع بما أدى عليه ) لأنه قضى دينه بأمره ومعنى الأمر أن يشتمل كلامه على لفظة عني كأن يقول اكفل عني أو اضمن عني لفلان فلو قال اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء لجواز أن يكون القصد ليرجع أو لطلب التبرع فلا يلزم المال ، كذا في فتح القدير وخرج عنه مسألة في الخانية لو قال ادفع له كل يوم درهما علي على أن ذلك علي فدفع له كل يوم حتى اجتمع مال كثير فالكل على الكفيل . ا هـ .

وبه علم أن لفظة عني ليست شرطا بل هي أو ما قام مقامها وهو على أن ذلك علي ، وكذا الخليط يرجع بالإجماع وإن لم يقل عني والخليط هو الذي يعتاد الرجل مداينته والأخذ منه ووضع الدراهم عنده والاستجرار منه .

كذا في فتح القدير وأطلق الأمر فشمل الحقيقي كما مثلنا والحكمي كما إذا كفل الأب عن ابنه الصغير مهر امرأته ثم مات فأخذ من تركته فإن للورثة الرجوع في نصيب الابن ; لأنه كفالة بأمر الصبي حكما لثبوت الولاية ، بخلاف ما إذا أدى الأب بنفسه ولم يشهد فإنه لا رجوع له لاحتمال أنه أدى تبرعا كما هو العادة ، بخلاف ما إذا أشهد فإن الصريح يفوق الدلالة ، كذا في شرح المجمع للمصنف من المهر ومن الأمر الحكمي ما في تلخيص الجامع الكبير لو جحد الكفيل الكفالة بعد الدعوى عليه بها فبرهن المدعى عليه بالأمر وقضى بها على الكفيل وأدى فإنه يرجع على المديون وإن كان مناقضا لكونه صار مكذبا شرعا بالقضاء عليه ، وقال زفر : لا رجوع ; لأنه أقر أنه لا حق له حين جحدها . ا هـ .

وقول المطلوب اضمن عني لفلان كذا إقرار بالمال لفلان ، كما في الخانية وأطلق في قوله كفل بأمره وهو مقيد بمن يصح أمره فلا رجوع على الصبي والعبد المحجورين إذا أدى كفيلهما بالأمر لعدم صحته منهما ولكن يرجع على العبد بعد عتقه ، وأما الصبي فلا رجوع عليه مطلقا ولو تكفل الكفيل بإذن وليه كما في المبسوط بخلاف المأذون فيهما لصحة أمره وإن لم يكن أهلا لها وأطلق في قوله بما أدى وهو مقيد بأن يؤدي ما ضمن .

أما إذا أدى خلافه بأن كان المكفول به جيدا فأدى رديئا أو بالعكس فإن رجوعه بما ضمن لا بما أدى لكونه ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب كما إذا ملكه الكفيل بالهبة أو بالإرث ولا يرد عليه تمليك الدين من غير من عليه الدين لأننا ننقل الدين إليه بمقتضى الهبة للضرورة وله نقله بالحوالة أو بجعل الدين الواحد كدينين بخلاف المأمور بقضاء الدين فإنه يرجع بما أدى إن أدى أردأ من الدين وإن أدى أجود لم يرجع إلا بالدين ; لأن حق رجوعه [ ص: 244 ] إنما هو بالأداء بأمره ولذا لا يملكه لو وهب به فيرجع بما أدى ما لم يخالف أمره بالزيادة أو بجنس آخر وقوله رجع بما أدى مقيد بما إذا دفع ما وجب دفعه على الأصيل فلو كفل عن المستأجر بالأجرة فدفع الكفيل قبل الوجوب لا رجوع له كما في إجارات البزازية وأطلق فيما أدى فشمل ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف المكفول بها على خمسمائة فإنه يرجع بالخمسمائة لا بما ضمن وهو الألف ; لأنه إسقاط أو هو إبراء عن بعض الدين فيسقط البعض ولا ينتقل إلى الكفيل ، وفي فتح القدير من بيع الفضولي إذا كفل بالمسلم فيه وأداه من ماله يصير مقرضا حتى لا يرجع بقيمته إن كان ثوبا ; لأن الثوب مثلي في باب السلم فكذا فيما جعل تبعا له . ا هـ .

وفي رهن الخانية باع شيئا وأخذ بالثمن كفيلا بأمر المشتري فأدى الكفيل الثمن ثم هلك المبيع عند البائع فإن الكفيل لا يخاصم البائع ولا يرجع عليه بالثمن وإنما يخاصم المشتري ثم المشتري يرجع على البائع بما دفع الكفيل إليه ا هـ .


( قول المصنف فيما أقر بحلفه ) أي على نفي العلم لا على البتات وأقول : وينبغي تقييده بما لو أقر بما يكفل به عادة لو أقر بأن له عليه درهما لم يقبل منه كذا في النهر . ( قوله : قال العيني بالتشديد ) قال في النهر وليس بمتعين [ ص: 243 ] ( قوله : وأنه كفل له بأمر فلان الغائب قبلت إلخ ) قيد بقوله بأمر فلان لأنه بدون أمره يكون قضاء على الحاضر فقط وستأتي المسألة متنا أوائل الفصل الآتي . ( قوله : ومعنى الأمر أن يشمل إلخ ) الظاهر أن هذا شرط فيما إذا كانت بصيغة الأمر من المطلوب وإلا فسيأتي في القول الآتية أنه لو كفل بغير أمره ثم أجازها في المجلس تصير موجبة للرجوع بقيد آخر سنذكره تأمل ( قوله : وبه علم أن لفظة عني ليست شرطا إلخ ) قال في النهر وفيها أي في الخانية علي كعني فلو قال اكفل لفلان بألف درهم علي أو انقده ألف درهم علي أو اضمن له الألف التي علي أو اقضه ماله علي ونحو ذلك رجع بما دفع في رواية الأصل وعن أبي حنيفة في المجرد إذا قال لفلان اضمن لفلان الألف التي له علي فضمنها وأدى إليه لا يرجع . ا هـ .

وتأمله مع ما ذكره المؤلف عن فتح القدير نعم ذكر في الفتح بعدما نقله المؤلف عنه وهذا قول أبي حنيفة ومحمد فلعل رواية الأصل قول أبي يوسف تأمل . ( قوله : وأطلق في قوله بما أدى إلخ ) قال في الولوالجية ولو دفع الخليط زيوفا أو نبهرجة لم يرجع على صاحب الأصل إلا بهما ، ولو أدى الكفيل أو الحويل زيوفا والدين جياد رجع على المكفول عنه بالجياد وكذا الحويل والفرق أن الخليط مأمور بقضاء الدين عن الآمر فيرجع بحكم الإقراض ، وأما الكفيل والحويل إنما يرجعان من حيث إنهما يملكان ما في ذمتهما ويجوز أن يملك الجياد بالزيوف ; لأنها تصلح بدلا عنها فكان لهما أن يرجعا بما ملكا في ذمتهما . ا هـ . فعلم أن الخليط غير كفيل بل مأمور بقضاء الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية