صفحة جزء
ما تحمل العاقلة وما لا تحمل قلت : أرأيت العاقلة في قول مالك ، هل تحمل أقل من الثلث ؟

قال : لا تحمل في قول مالك أقل من الثلث ، ولا تحمل إلا الثلث فصاعدا .

قلت : وكل شيء يكون في الجسد يبلغ الثلث من ذهاب بصر أو سمع أو لسان أو شلل أو غير ذلك مما هو في الجسد ، فإذا بلغ الثلث حملته العاقلة في قول مالك ؟

قال : نعم إذا كان ذلك خطأ .

قال : وقال مالك : ولو ضربه فشجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملته العاقلة ، لأن هذا قد بلغ أكثر من الثلث .

قلت : فإن شجه ثلاث منقلات في ثلاث ضربات في مقام واحد ، أتحمله العاقلة أم يجعل ذلك في مال الجاني ؟

قال : إن كان ضربا يتبع بعضه بعضا لم يقلع عنه ، فهو بمنزلة الضربة الواحدة تحمله العاقلة . وإن كان شيئا مفترقا في غير فور واحد لم تحمله العاقلة ، وكذلك بلغني عن مالك .

قلت : أرأيت إن أصبت أصبع رجل خطأ فأخذ عقلها ، ثم قطع بعد ذلك رجل كفه خطأ ، ما يكون له من العقل على القاطع ؟

قال : له أربعة أخماس الدية على العاقلة لأنه قد أخذ عقل الأصبع .

قلت : وإن كانت الأصبع إنما ذهبت بأمر من السماء ، ولم يأخذ لها عقلا ؟

قال : هو كذلك ليس له إلا أربعة أخماس الدية ، لأن العقل إنما هو في الأصابع . ألا ترى لو أن رجلا قطع أصابعه الأربعة الباقية بغير كف ، لم يكن له إلا أربعة أخماس الدية ؟ فالأصبع إذا ذهبت بعقل أخذه فيها أو ذهبت بأمر من أمر الله ، فعقل ما بقي من الأصابع في الخطأ وأخذه .

قلت : فإن كانت الأصبع إنما قطعت عمدا فاقتص من قاطعه ، ثم قطعت كفه بعد ذلك خطأ ، أيأخذ ديتها كاملة أم لا ؟

قال : ليس له أن يأخذ إلا على حساب ما بقي .

قال : قال مالك : في العين يصيبها الرجل بشيء فينقص بصرها أو اليد فيضعفها ذلك - وبصر العين قائم ، واليد يبطش بها - ولم يأخذ لها عقلا .

قال مالك : أرى على من أصابها بعد ذلك [ ص: 574 ] العقل كاملا .

قال : قال مالك : وقد قال ابن المسيب في السن إذا اسودت فقد تم عقلها ، وإن أصيبت بعد ذلك ففيها أيضا عقلها كاملا . قال مالك : فالسن قد أخذ لها عقلها ، ومنفعتها قائمة . قال : قلت لمالك : فإن كان أخذ لذلك شيئا في نقصان اليد والعين ؟

قال : قال مالك : ذلك أشكل يريد أنه ليس له إلا ما بقي ويقاص بما أخذ . وقد قال لي قبل ذلك : ليس له إلا على حساب ما بقي .

قال ابن القاسم : ولو أن رجلا أصاب يد رجل خطأ فضعفت وأخذ لها عقلا ، وكان يبطش بها ويعمل بها ثم أصابها بعد ذلك رجل عمدا اقتص منه . وكذلك العين لو أصابها رجل خطأ بشيء فأخذ لها عقلا ، وقد كان يبصر بها ثم أصابها بعد ذلك رجل عمدا اقتص له منه . فالقصاص والدية في هذا مختلفان ، وأما الكف التي يقطع بعضها - عمدا كان أو خطأ - ثم تصاب خطأ بعد ذلك ، فليس له إلا على قدر ما بقي منها ، قل ذلك أو كثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية