صفحة جزء
[ ص: 368 ] 3 - باب

ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

1143 1201 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلح بين بني عمرو بن عوف، وحانت الصلاة، فجاء بلال أبا بكر، فقال: حبس النبي - صلى الله عليه وسلم- فتؤم الناس ؟ فقال: نعم، إن شئتم، فأقام بلال الصلاة، فتقدم أبو بكر فصلى، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- يمشي في الصفوف يشقها شقا، حتى قام في الصف الأول، فأخذ الناس بالتصفيح، قال سهل: تدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا التفت، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصف، فأشار إليه مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ثم رجع القهقرى وراءه، وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم- فصلى.


التصفيق والتصفيح، من الناس من قال: هما بمعنى واحد، قاله الأصمعي وغيره.

وقال الخطابي : التصفيح: التصفيق بصفحتي الكف.

وقيل: التصفيق: الضرب بباطن الراحة على الأخرى، والتصفيح: الضرب بظاهر الكف على ظهر الأخرى، ويكون المقصود به: الإعلام والإنذار، بخلاف التصفيق; فإنه إنما يراد به الطرب واللعب. والله أعلم.

وقد سبق هذا الحديث في " أبواب الإمامة"، خرجه البخاري فيها من رواية مالك ، عن أبي حازم .

[ ص: 369 ] وذكرنا هنالك عامة فوائده، وأشرنا إلى الاختلاف فيمن حمد الله في صلاته أو سبح لحادث حدث له، وهل تبطل بذلك صلاته، أم لا؟

وذكرنا ذلك - أيضا- في " باب: إجابة المؤذن".

وأكثر العلماء على أنه لا تبطل صلاته بذلك.

فحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

وهو - أيضا- قول مالك والشافعي .

وسواء قصد بذلك تنبيه غيره أم لم يقصد.

قال إسحاق فيما نقله عنه حرب ، إن قرأ آية فيها " لا إله إلا الله"، فأعادها لا تفسد صلاته، وإن انقض كوكب، فقال: " لا إله إلا الله"، تعجبا وتعمده، فهو كلام يعيد الصلاة، وكذا إذا لدغته عقرب، فقال: " بسم الله".

وقال عبيد الله بن الحسن : فيمن رمي في صلاته، فقال: " بسم الله": لم تنقطع صلاته، هو كمن عطس فحمد الله، وقال في الذي يذكر النعمة وهو في الصلاة، فيحمد الله عليها، وأن ذلك حسنا.

وقال عطاء : ما جرى على لسان الرجل في الصلاة، فما له أصل في القرآن فليس بكلام.

وقالت طائفة: تبطل صلاته، وهو رواية عن أحمد وإسحاق .

ومذهب أبي حنيفة : إن قاله ابتداء فليس بكلام، وإن قاله جوابا فهو كلام.

[ ص: 370 ] قال بعض أصحابنا: هذه الرواية عن أحمد بالبطلان، هي قول أبي حنيفة ومحمد ، أنه يبطل الصلاة، فكل ذكر يأتي به المصلي في غير موضعه، إلا في تنبيه المأموم إمامه على سهوه، وتنبيه المار بين يده ليرجع .

وكذلك الخلاف إذا بشر بما يسره، فقال: " الحمد لله"، أو بما يسوؤه، فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون"، أو عطس، فحمد الله، أو فتح على غير إمامه، أو خاطب إنسانا بشيء من القرآن قاصدا للقراءة والتنبيه.

وأصح الروايتين عن أحمد : أن الصلاة لا تبطل بذلك، كقول جمهور العلماء.

وفي " الصحيحين"، عن عائشة ، أن أسماء أختها لما سألتها وهي تصلي صلاة الكسوف، فأشارت برأسها إلى السماء، وقالت: " سبحان الله".

واحتج أحمد بما ذكره عن علي ، أنه كان في صلاة الفجر، فمر بعض الخوارج ، فناداه: لئن أشركت ليحبطن عملك فأجابه علي وهو في صلاته: فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

وروي عن ابن مسعود ، أنه استأذن عليه رجل وهو يصلي، فقال: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين

وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يفعله.

وخرج الإمام أحمد من حديث علي ، قال: كانت لي ساعة من السحر أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم- فإن كان في صلاة سبح، فكان إذنه لي.

ومن حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذن الرجل إذا كان في صلاة [ ص: 371 ] أن يسبح، وإذن المرأة أن تصفق".

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أن رجلا عطس وراءه في الصلاة، فحمد الله، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- لما قضى صلاته بابتدار الملائكة لها، وكتابتها.

وقد خرجه أبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث رفاعة بن رافع .

وخرجه أبو داود - أيضا- من حديث عامر بن ربيعة بمعناه.

وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم، أنهم حملوا ذلك على التطوع، وقالوا في المكتوبة: يحمد الله في نفسه.

وهذا التفريق هو قول مكحول ، ورواية عن أحمد .

وقولهم: " يحمد الله في نفسه"، يحتمل أنهم أرادوا أنه يحمده بقلبه ولا يتلفظ به، ويحتمل أنهم أرادوا أنه لا يجهر به.

وكذا قال النخعي في الرجل يعطس في الصلاة: يحمد الله، ولا يجهر.

وقال الحسن : يحمد الله في المكتوبة وغيرها.

وكذا نقله حرب ، عن إسحاق .

وروى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : سمعت أبا طلحة ، سمعت ابن عمر يقول في العاطس في الصلاة: يجهر بالحمد.

وأما تخصيص البخاري جواز التسبيح والحمد في الصلاة للرجال; فلأن المرأة تخالف الرجل في التسبيح للتنبيه، وإنما تنبه بالتصفيح، كما يأتي ذكره، [ ص: 372 ] فلا يشرع لها التسبيح والتحميد في غير ذلك أيضا.

لكن حكمها حكم الرجل في القول بالإبطال وعدمه، وإنما يختلفان في الكراهة; فإن المرأة لا يشرع لها رفع صوتها في الصلاة بقرآن ولا ذكر.

التالي السابق


الخدمات العلمية