صفحة جزء
[ ص: 484 ] 17 - باب

مخلقة وغير مخلقة

312 318 - حدثنا مسدد ، ثنا حماد ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول : يا رب ، نطفة ! يا رب ، علقة ! يا رب ، مضغة ! فإذا أراد أن يقضي الله خلقه قال : أذكر ؟ أم أنثى ؟ أشقي ؟ أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب في بطن أمه ) .


اختلف السلف في تأويل قول الله عز وجل : ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ; فقال مجاهد : هي المضغة التي تسقطها المرأة ; منها ما هو مخلق فيه تصوير وتخطيط ، ومنها ما ليس بمخلق ولا تصوير فيه . أرى الله تعالى ذلك عباده ; ليبين لهم أصل ما خلقوا منه ، والذي يقره في الأرحام هو الذي يتم خلقه ويولد .

وقالت طائفة : المخلقة هي التي يتم خلقها ، وغير مخلقة هي التي تسقط قبل أن تكون مضغة .

روى الشعبي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : النطفة إذا استقرت في الرحم حملها ملك بكفه ، وقال : أي رب ، مخلقة ؟ أم غير مخلقة ؟ فإن قيل : غير مخلقة - لم تكن نسمة ، وقذفتها الأرحام . وإن قيل : مخلقة - قال : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ ما الأجل ؟ ما الأثر ؟ وبأي أرض تموت ؟ قال : فيقال للنطفة : من ربك ؟ فتقول : الله ! فيقال : من رازقك ؟ [ ص: 485 ] فتقول : الله ! فيقول الله عز وجل : اذهب إلى الكتاب ، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة .

قال : فتخلق ، فتعيش في أجلها ، وتأكل رزقها ، وتطأ في أثرها ، حتى إذا جاء أجلها ماتت ، فدفنت في ذلك ، ثم تلا الشعبي : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث إلى قوله : مخلقة وغير مخلقة فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع ، فكانت نسمة . فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما ، وإن كانت مخلقة نكست نسمة .

خرجه ابن أبي حاتم وغيره ، وآخره هو من قول الشعبي .

وقد يستأنس بهذا من يقول : إن الحامل لا تحيض ولا ترى دم الحيض في حال حملها ، وأنها لا ترى إلا دم النفاس خاصة ، وفي ذلك نظر .

وقد قيل : إن هذا هو مراد البخاري بتبويبه هذا .

وقد روي عن الحسن في قول الله عز وجل : إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج - أن النطفة مشجت ، أي : خلطت بدم الحيض ، فإذا [ ص: 486 ] حملت المرأة ارتفع حيضها .

وحديث أنس الذي خرجه البخاري يدل على أنه لا يخلق إلا بعد أن يكون مضغة ، وليس فيه ذكر مدة ذلك . وذكر المدة في حديث ابن مسعود ، وقد خرجه البخاري في مواضع أخر - قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ( إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك . ثم يبعث إليه الملك ، فيؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد . ثم ينفخ فيه الروح ) ، وذكر الحديث .

وقد روي هذا المعنى عن ابن مسعود موقوفا عليه ، وعن ابن عباس ، وغيرهما من الصحابة .

وقد أخذ كثير من العلماء بظاهر حديث ابن مسعود ، وقالوا : أقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما ; لأنه لا يكون مضغة إلا في الأربعين الثالثة ، ولا يتخلق قبل أن يكون مضغة .

قال الإمام أحمد : ثنا هشيم : أبنا داود ، عن الشعبي ، قال : إذا نكس السقط في الخلق الرابع ، وكان مخلقا - عتقت به الأمة ، وانقضت به العدة .

قال أحمد : إذا تبين الخلق فهو نفاس ، وتعتق به إذا تبين .

قال : ولا يصلى على السقط إلا بعد أربعة أشهر . قيل له : فإن كان أقل من أربعة ؟ قال : لا ، هو في الأربعة يتبين خلقه . وقال : العلقة هي دم لا يتبين فيها الخلق .

[ ص: 487 ] وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي بناء على أن الخلق لا يكون إلا في المضغة : أقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما ، في أول الأربعين الثالثة التي يكون فيها مضغة . فإن أسقطت مضغة مخلقة انقضت بها العدة ، وعتقت بها أم الولد . ولو كان التخليق خفيا لا يشهد به إلا من يعرفه من النساء فكذلك .

فإن كانت مضغة لا تخليق فيها ففي انقضاء العدة وعتق الأمة به روايتان عن أحمد .

وهل يعتبر للمضغة المخلقة أن يكون وضعها بعد تمام أربعة أشهر ؟ فيه قولان ، أشهرهما : لا يعتبر ذلك ، وهو قول جمهور العلماء ، وهو المشهور عن أحمد حتى قال : إذا تبين خلقه ليس فيه اختلاف أنها تعتق بذلك .

وروي عنه ما يدل على اعتبار مضي الأربعة أشهر ، وعنه رواية أخرى في العلقة إذا تبين أنها ولد أن الأمة تعتق بها ، ومن أصحابنا من طرد ذلك في انقضاء العدة بها أيضا ، وهذه الرواية قول النخعي ، وحكي قولا للشافعي .

وهذا يدل على أنه يمكن التخليق في العلقة ، وقد روي ما يدل عليه ، والأطباء تعترف بذلك .

فأما الصلاة على السقط فالمشهور عن أحمد أنه لا يصلى عليه حتى ينفخ فيه الروح ; ليكون ميتا بمفارقة الروح له ، وذلك بعد مضي أربعة أشهر ، وهو قول ابن المسيب ، وأحد أقوال الشافعي ، وإسحاق .

وإذا ألقت ما يتبين فيه خلق الإنسان فهي نفساء ، ويلزمها الغسل ، فإن لم يتبين فيه خلق الإنسان وكان مضغة فلا نفاس لها ، ولا غسل عليها في المشهور عن أحمد . وعنه رواية أنها نفساء ، نقلها عنه الحسن بن ثواب ، ولم [ ص: 488 ] يشترط شيئا ; لأن المضغة مظنة تبين التخلق والتصوير غالبا .

وإن ألقت علقة فلا نفاس لها فيه ، ولأصحابنا وجه ضعيف أنها نفساء ، بناء على القول بانقضاء العدة به .

ومذهب الشافعية والحنفية أن الاعتبار في النفاس بما تنقضي به العدة ، وتصير به الأمة أم ولد ، فحيث وجد ذلك فالنفاس موجود ، وإلا فلا ، والاعتبار عندهم في ذلك كله بما يتبين فيه خلق الإنسان .

وقال إسحاق : إذا استتم الخلق فهو نفاس ، نقله عنه حرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية