صفحة جزء
3735 وقول الله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين


وقول الله بالجر عطفا على قوله : قصة غزوة بدر ، وسيقت هذه الآيات الكريمة كلها في رواية كريمة ، وفي رواية أبي ذر والأصيلي : وقول الله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إلى قوله : فينقلبوا خائبين

قوله : ولقد نصركم الله في معرض المنة حيث أعز الله الإسلام وأهله يوم بدر ورفع فيه الشرك وخرب محله ، هذا مع قلة العدد في المسلمين يومئذ وكثرة العدو في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والخيلاء الزائدة ، فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض الله وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبيله ، وأخزى الشيطان وجيله ، ولهذا قال ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المفلحين المتقين : ولقد نصركم الله ببدر قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدر بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة ، وقيل : سميت بدرا لاستدارتها كالبدر ، وقيل : لصفائها ورؤية البدر فيها ، وقال السهيلي : احتفرها رجل من بني غفار ، ثم من بني النجار ، واسمه بدر بن كلدة ، وقال الواقدي : ذكرت هذا لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا : لأي شيء سميت الصفراء ولأي شيء سمي الجار ؟ ! إنما هو اسم الموضع ، قال : وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال : سمعت شيوخنا من غفار يقولون : هو ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قط اسمه بدر ، وما هو من بلاد جهينة ، إنما هو من بلاد غفار ، قال الواقدي : هو المعروف عندنا ، وفي الإكليل : بدر موضع بأرض العرب يقال لها الأثيل بقرب ينبع والصفراء والجار والجحفة ، وهو موسم من مواسم العرب ومجمع من مجامعهم في الجاهلية ، وبها قليب وآبار ومياه تستعذب ، وعن الزهري : كان بدر متجرا يؤتى في كل عام ، وقال البكري : هي على مائة وعشرين فرسخا من المدينة ، ومنها إلى الجار ستة عشر ميلا ، وبه عينان جاريتان عليهما الموز والنخل والعنب .

قوله : وأنتم أذلة جمع ذليل ، وهو جمع قلة ، وجمع الكثرة ذلال ، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا ، وذلتهم ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والمركوب ، وعدوهم كثيرون مع شكة وشوكة ، وسنبين ذلك عن قريب . قوله : فاتقوا الله أي : مخالفة أمره وعقابه ، وقال الزمخشري : فاتقوا الله في الثبات مع رسوله لعلكم تشكرون بتقواكم ما أنعم به عليكم ، ولعلكم ينعم الله عليكم نعمة أخرى تشكرونها ، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب [ ص: 77 ] له . قوله : إذ تقول ظرف لقوله نصركم أو بدل ثان من إذ تقول وقال ابن كثير : اختلف المفسرون في هذا ، هل كان يوم بدر أو يوم أحد ، على قولين : أحدهما : أن قوله : إذ تقول يتعلق بقوله : ولقد نصركم الله ببدر روي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، والثاني : أنه يتعلق بقوله : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال وذلك يوم أحد ، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم ، لكن قالوا : لم يحصل الإمداد بخمسة آلاف ; لأن المسلمين فروا يومئذ ، زاد عكرمة : ولا بثلاثة آلاف . قوله : ألن يكفيكم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، عن داود ، عن عامر يعني الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين ، فشق عليهم ، فأنزل الله : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منـزلين إلى قوله : مسومين قال فبلغت كرز الهزيمة فلم يمد المشركين ولم يمد الله المسلمين بالخمسة آلاف ، وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف .

فإن قلت : ما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قضية بدر : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ؟ قلت : التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها ، فمعنى مردفين يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم ، والكفاية مقدار سد الخلة ، والاكتفاء الاقتصار على ذلك ، والإمداد إعطاء الشيء بعد الشيء ، قال المفضل : كل ما كان على جهة القوة والإعانة قيل فيه أمده ، وكل ما كان على جهة الزيادة قيل فيه مده ، ومنه قوله تعالى : والبحر يمده وقال بعضهم : المد في الشر والإمداد في الخير ، بدليل قوله : ويمدهم في طغيانهم يعمهون ونمد له من العذاب مدا وقال في الخير : أني ممدكم بألف

قوله : بلى تصديق لما وعده بالإمداد والكفاية ، وقال الزمخشري : بلى إيجاب لما بعد لن ، يعني بلى يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية . قوله : إن تصبروا أي : على لقاء العدو وتتقوا معصية الله ومخالفة نبيه . قوله : ويأتوكم من فورهم هذا يعني المشركين من فورهم هذا ، يعني من ساعتهم هذه ، قيل : يوم فورهم يوم بدر ، وقيل : يوم أحد ، وقيل : يوم فورهم يوم غضبهم ، ثبت هذا في رواية الكشميهني ، وهو قول عكرمة ومجاهد ، وروي عن الحسن وقتادة والربيع والسدي ، أي : من وجههم ، هذا وأصل الفور غليان القدر ، ثم قيل للغضبان فائر . قوله : يمددكم جزاء إن . قوله : مسومين أي : معلمين بالسيماء ، قال أبو إسحاق السبيعي : عن حارثة عن مضرب عن علي بن أبي طالب قال : كان سيماء الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض ، وكان سيماؤهم أيضا في نواصي خيولهم ، وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي هريرة مسومين قال بالعهن الأحمر ، وقال مكحول : مسومين بالعمائم ، وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله مسومين قال معلمين ، وكانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم سود ، ويوم أحد عمائم حمر ، وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعد عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي ، حدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن عروة ، عن يحيى بن عباد ، أن الزبير - رضي الله تعالى عنه - كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر ، وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس قال : كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم ، ويوم حنين عمائم حمر ، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون ، وقال عروة : كانت الملائكة يومئذ على خيل بلق وعمائمهم صفر ، وقال أبو إسحاق : عمائمهم بيض ، وقال الحسن : عملوا على أذناب خيلهم ونواصيهم بصوف أبيض .

قوله : وما جعله الله إلا بشرى لكم أي : ما جعل الله هذا الوعد إلا بشارة لكم . قوله : ولتطمئن قلوبكم به واضح مثل : وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا قوله : وما النصر إلا من عند الله أي : دون الملائكة وكثرة العدد ، ولكن نزولهم سبب من أسباب النصر لا يحتاج الرب إليه . قوله : العزيز أي : الذي لا يغالب الحكيم الذي تجري أفعاله على ما يريد ، وهو أعلم بمصالح العبيد . قوله : ليقطع طرفا فيه حرف العطف محذوف ، أي : وليقطع طائفة من الذين كفروا وقال السدي : ليهدم ركنا من أركان المشركين بالقتل والأسر . قوله : أو يكبتهم أي : يهزمهم ، وقيل : يصرعهم ، وقيل : يهلكهم ، وقيل : يلعنهم . قوله : فينقلبوا أي : فيرجعوا خائبين أي : لم يحصلوا على ما أملوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية