صفحة جزء
3736 باب قول الله تعالى : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب


أي : هذا باب في ذكر قول الله تعالى : إذ تستغيثون ربكم الآيات ، هكذا سيقت هذه الآيات كلها في رواية كريمة ، وفي رواية الأكثرين باب قول الله تعالى : إذ تستغيثون ربكم إلى قوله : شديد العقاب

قوله : إذ تستغيثون بدل من قوله : وإذ يعدكم وقيل : يتعلق بقوله : ليحق الحق ويبطل الباطل واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله تعالى : أي رب انصرنا على عدوك ، يا غياث المستغيثين أغثنا ، وسيجيء بيان الاستغاثة في حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - . قوله : أني ممدكم من الإمداد ، وقد مر الكلام فيه عن قريب ، وأصل أني بأني فحذف الجار وسلط عليه استجاب فنصب محله ، وعن أبي عمرو أنه قرأ : إني ممدكم، بالكسر على إرادة القول أو على إجراء استجاب مجرى قال ; لأن الاستجابة من القول . قوله : مردفين أي : مردف بعضهم بعضا ، وعن ابن عباس : متتابعين ، يعني وراء كل ملك ملك ، وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثني عبد العزيز بن عمران ، عن الربيعي ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير ، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : نزل جبريل عليه الصلاة والسلام في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وفيها أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأنا في الميسرة ، وهذا يقتضي لو صح إسناده أن الألف مردفة بمثلها ، ولهذا قرأ بعضهم (مردفين) بفتح الدال . قوله : وما جعله الله أي : وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وإلا فالله تعالى قادر على نصركم على أعدائكم بدون ذلك ، ولهذا قال : وما النصر إلا من عند الله قوله : إذ يغشيكم النعاس كلمة إذ بدل ثان من إذ يعدكم أو منصوب بالنصر أو بما في من عند الله من معنى الفعل أو بما جعله الله ، ومعنى يغشيكم يغطيكم ، يقال : غشاه تغشية إذا غطاه ، قال الزمخشري : قرئ بالتشديد والتخفيف ونصب النعاس ، والضمير لله عز وجل . قوله : أمنة مفعول له ، أي : لأمنكم ، قال المفسرون : ذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، وقال أبو طلحة : كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد ، ولقد سقط السيف من يدي مرارا ، ولقد نظرت إليهم يمتدون وهم تحت الجحف ، وقال سفيان الثوري : عن أبي عاصم ، عن أبي رزين ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : النعاس في القتال أمنة من الله ، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان ، وقال قتادة : النعاس في الرأس والنوم في القلب ، وقال سهل بن عبد الله : هو يحل في الرأس مع حياة القلب ، والنوم يحل في القلب بعد نزوله من الرأس . قوله : وينـزل عليكم إلى قوله : الأقدام وعن ابن عباس : نزل المسلمون يوم بدر على كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب ، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وغلبوهم عليه ، وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم [ ص: 80 ] جنبا ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان وقال : تزعمون أن فيكم نبي الله وأنكم أولياء الله ، وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون جنبا ومحدثين ، فكيف ترجون أن تظهروا عليهم ، فأرسل الله عليهم مطرا من السماء سال منه الوادي ، فشرب منه المسلمون واغتسلوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية ، وأطفأت الغبار واشتد الرمل حتى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، فذلك قوله تعالى : وينـزل عليكم الآية .

قوله : إذ يوحي ربك بدل ثالث من إذ يعدكم ، وأنه نصب بيثبت به الأقدام . قوله : أني معكم مفعول يوحي ، وقرئ إني بالكسر على إرادة القول . قوله : فثبتوا الذين آمنوا المعنى أني معينكم على التثبيت فثبتوهم ، وقال ابن إسحاق : فآزروهم ، وقيل : قاتلوا معهم ، وقيل : كثروا سوادهم . قوله : الرعب أي : الخوف والمذلة والصغار فاضربوا فوق الأعناق وقال الزمخشري : أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل ، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس ، وقيل : أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق . قوله : كل بنان قال الزمخشري : البنان الأصابع ، يريد الأطراف ، وقيل : كل مفصل . قوله : ذلك إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل ، ومحله الرفع على الابتداء ، وقوله بأنهم خبره ، أي : ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقهم . قوله : شاقوا الله ورسوله أي : خالفوهما . قوله : شديد العقاب أي : هو الطالب الغالب لمن خالفه وناوأه ، لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية