صفحة جزء
3817 86 - حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء رضي الله عنه قال : لقينا المشركين يومئذ ، وأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله ، وقال : لا تبرحوا ; إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا ! فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن ، فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة ! فقال عبد الله بن جبير : عهد إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تبرحوا ! فأبوا ، فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلا ، وأشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ فقال : لا تجيبوه ! فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال : لا تجيبوه ! فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال : إن هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا ! فلم يملك عمر نفسه ، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ! قال أبو سفيان : اعل هبل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ! قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا الله أعلى وأجل ! قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ! قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ! قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني .


مطابقته للترجمة ظاهرة .

وعبيد الله بن موسى بن باذام أبو محمد الكوفي ، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، والحديث من أفراده .

قوله " يومئذ " ; أي يوم أحد .

قوله " من الرماة " بضم الراء جمع رام ، وفي حديث زهير " وكانوا خمسين رجلا " .

قوله " وأمر " بتشديد الميم ، من التأمير .

قوله " عبد الله " هو ابن جبير - بضم الجيم وفتح الباء الموحدة - ابن النعمان بن أمية بن امرئ القيس ، اسمه البرك بن ثعلبة بن عمرو بن عوف الأنصاري ، شهد العقبة ثم شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا ، قال أبو عمر : لا أعلم له رواية عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو [ ص: 143 ] أخو خوات بن جبير بن النعمان لأبيه وأمه .

قوله " إن ظهرنا " ; أي غلبناهم .

قوله " وإن رأيتموهم ظهروا علينا " ، وفي رواية زهير " وإن رأيتمونا تخطفنا الطير " ، وفي حديث ابن عباس - رواه أحمد والطبراني والحاكم - أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال لهم : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا " .

قوله " يشتددن " ، كذا هو في رواية الأكثرين بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وفتح التاء المثناة من فوق وبعدها دال مكسورة ثم أخرى ساكنة ; أي يسرعن المشي ، يقال اشتد في مشيه إذا أسرع ، وكذا في رواية الكشميهني وفي رواية زهير ، وله رواية أخرى هنا " يسندن " بضم أوله وسكون السين المهملة بعدها نون مكسورة ودال مهملة ; أي يصعدن ، يقال أسند في الجبل يسند إذا صعد ، وفي رواية الباقين " يشددن " بفتح أوله وسكون الشين المعجمة وضم الدال الأولى وسكون الثانية . وقال عياض : وقع للقابسي في الجهاد " يسندن " ، وكذا لابن السكن فيه ، وفي الفضائل وعند الأصيلي والنسفي " يشدن " بمعجمة ودال واحدة ، وفي رواية أبي داود " يصعدن " .

قوله " رفعن عن سوقهن " ، ويروى " يرفعن " ، والسوق جمع ساق ، وذلك ليعينهن ذلك على سرعة الهروب .

قوله " قد بدت " أي ظهرت " خلاخلهن " وهو جمع خلخال ، كما أن الخلاخيل جمع خلخال وهما بمعنى واحد .

قوله " الغنيمة" بالنصب ; أي خذوا الغنيمة وقد ظهر أصحابكم ، فما تنتظرون ؟ وفي رواية زهير " فقال عبد الله : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة !

قوله " فلما أبوا صرف وجوههم " ; أي تحيروا فلم يدروا أين يذهبون وأين يتوجهون .

قوله " فأصيب سبعون قتيلا " ، ولم يكن في عهده -صلى الله تعالى عليه وسلم - ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى من أحد .

قوله " وأشرف أبو سفيان " ; أي اطلع أبو سفيان بن حرب رئيس المشركين يومئذ .

قوله " أفي القوم " ، الهمزة فيه للاستفهام للاستعلام .

قوله " أبقى الله عليك ما يحزنك " بالحاء المهملة والزاي والنون ، من الحزن ، ويروى " ما يخزيك " بضم الياء وسكون الخاء المعجمة وكسر الزاي ، من الخزي .

قوله " اعل هبل " ، " اعل " أمر من علا يعلو ، و " هبل " بضم الهاء وتخفيف الباء الموحدة - اسم صنم كان في الكعبة ، وهو منادى حذف منه حرف النداء ; أي يا هبل ، قال ابن إسحاق : معناه ظهر دينك . وقال السهيلي : معناه زد علوا . وفي التوضيح : أي ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت . قلت : كل هذا ليس معناه الحقيقي ، ولكن في الواقع يرجع معناه إلى هذه المعاني ، قال الكرماني : ما معنى اعل ولا علو في هبل ؟ ثم أجاب بقوله : هو بمعنى العلى ، أو المراد أعلى من كل شيء . انتهى ، قلت : ظن أنه أعلى هبل على وزن أفعل التفضيل ، فلذلك سأل بما سأل وأجاب بما أجاب وهو واهم في هذا ، والصواب ما ذكرناه .

قوله " العزى " وهو تأنيث الأعز بالزاي ، وهو اسم صنم لقريش ، ويقال العزى سمرة كانت غطفان يعبدونها وبنوا عليها بيتا وأقاموا لها سدنة ، فبعث إليها رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فهدم البيت وأحرق السمرة وهو يقول :


يا عزى كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك

قوله " الله مولانا ولا مولى لكم " ; أي : الله ناصرنا ولا ناصر لكم .

قوله " يوم بيوم بدر " ; أي هذا يوم بمقابلة يوم بدر ، لأن في بدر قتل منهم سبعون وفي أحد قتلوا سبعين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .

قوله " والحرب سجال " ; يعني ساجلة ، يعني متداولة ، يوم لنا ويوم علينا .

قوله " وتجدون " ، وفي رواية الكشميهني " وستجدون " .

قوله " مثلة " بضم الميم على وزن فعلة ، من مثل إذا قطع وجذع كما فعلوا بحمزة رضي الله تعالى عنه ، قال ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان قال : خرجت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى; يجذعن الآذان والأنوف ، حتى اتخذت هند من ذلك خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها - أي اللاتي كن عليها - لوحشي جزاء له على قتل حمزة رضي الله تعالى عنه ، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها .

قوله " لم آمر بها " ; أي بالمثلة ، وفي رواية ابن إسحاق " والله ما رضيت وما سخطت ، وما نهيت وما أمرت " ، وفي حديث ابن عباس : ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا ، ثم أدركته حمية الجاهلية أما إنه إذ كان لم يكرهه .

قوله " ولم تسؤني " ; أي والحال أن المثلة التي فعلوها لم تسؤني ، وإن كنت ما أمرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية