صفحة جزء
3858 123 - حدثني إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية عينا [ ص: 167 ] وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا ، حتى إذا كان بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه ، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة ، فقالوا : هذا تمر يثرب ! فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم ، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد ، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا ! فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك ! فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل ، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق ، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم ، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها ، فقال الرجل الثالث الذي معهما : هذا أول الغدر ! فأبى أن يصحبهم ، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل ، فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة ، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل - وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر - فمكث عندهم أسيرا ، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها فأعارته ، قالت : فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه ، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك مني ، وفي يده الموسى ! فقال : أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله ! وكانت تقول : ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب ! لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة ، وإنه لموثق في الحديد ، وما كان إلا رزق رزقه الله ! فخرجوا به من الحرم ليقتلوه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين ! ثم انصرف إليهم فقال : لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت ! فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو ، ثم قال : اللهم أحصهم عددا ! ثم قال :


ما أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله ، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه ، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء .



مطابقته للترجمة ظاهرة ، وهذا الحديث قد مر في كتاب الجهاد في باب هل يستأسر الرجل ; فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري ... إلخ ، ثم أخرجه أيضا في أثناء أبواب غزوة بدر عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم عن ابن شهاب ... إلخ ، وقد مر الكلام فيه هناك ، ولنتكلم على بعض شيء أيضا .

قوله " عن عمرو بن سفيان " ، عمرو بفتح العين ، هكذا تقدم في الجهاد عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي ، وهو حليف لبني زهرة ، وكان من أصحاب أبي هريرة ، وإبراهيم بن سعد يقول عن الزهري عن عمر بضم العين ، واختلفوا فيه ; فقال البخاري في تاريخه عمرو أصح .

قوله " سرية " ، وفي رواية الكشميهني " بسرية " بزيادة باء موحدة في أوله ، وقد مضى فيما تقدم في غزوة بدر " بعث عشرة عينا " أي يتجسسون له ، وفي رواية [ ص: 168 ] أبي الأسود عن عروة " بعثهم عيونا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش " .

قوله " وأمر " بتشديد الميم .

قوله " عاصم بن ثابت " ، وفي السير " أمر عليهم مرثد بن أبي مرثد " .

قوله " وهو جد عاصم بن عمر " ، وقد ذكرنا فيما تقدم أنه خال عاصم لا جده ، وقال الكرماني : جد عاصم عند بعضهم ، وأما الأكثرون فيقولون هو خاله لا جده .

قوله " عسفان " بضم العين وسكون السين المهملتين ، وهي قرية على مرحلتين من مكة ، وقد مر غير مرة .

قوله " ذكروا على صيغة المجهول .

قوله " بنو لحيان " بكسر اللام ، وقيل بفتحها ، ولحيان هو ابن هذيل نفسه ، وهذيل هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر ، وزعم الهمداني النسابة أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم ، وقال الواقدي : إن سبب خروج بني لحيان عليهم قتل سفيان بن نتيج الهذلي ، وكان قتل سفيان هذا على يد عبد الله بن أنيس ، وذكر أبو داود قصته بإسناد حسن .

قوله " فاقتصوا آثارهم " ; أي اتبعوها شيئا فشيئا ، ومنه قوله تعالى : وقالت لأخته قصيه ; أي اتبعي أثره ، ويجوز بالسين .

قوله " إلى فدفد " بفتح الفاءين وسكون المهملة الأولى ، وهو الرابية المشرفة ، ووقع في رواية أبي داود " إلى قردد " بقاف وراء ودالين ، وقال ابن الأثير : هو الموضع المرتفع ، وقيل الأرض المستوية ، والأول أصح .

قوله " اللهم أخبر نبيك " ، ويروى " اللهم أخبر عنا رسولك " ، وفي رواية الطيالسي عن إبراهيم بن سعد " فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبره ، فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا " .

قوله " في سبعة " ; أي في جملة سبعة .

قوله " وبقي خبيب " ، هو ابن عدي .

قوله " وزيد " ، هو ابن الدثنة - بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وفتح النون .

قوله " ورجل آخر " ، هو عبد الله بن طارق الظفري ، بين ذلك ابن إسحاق في روايته حيث قال : فأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فاستأسروا .

قوله " فقال الرجل الثالث " ، هو عبد الله بن طارق .

قوله " حتى باعوهما " ; أي خبيبا وزيدا ، وفي رواية ابن إسحاق " فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه " ، وقال ابن سعد : الذي تولى قتله نسطاس مولى صفوان .

قوله " فاشترى خبيبا بنو الحارث " ، بين ابن إسحاق أن الذي اشتراه جحير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل ، وكان أخا الحارث بن عامر لأمه ، وفي رواية بريدة بن سفيان أنهم اشتروا خبيبا بأمة سوداء ، وقال ابن هشام : باعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة - ولا منافاة بينهما لإمكان الجمع .

قوله " وكان خبيب " هو الذي قتل الحارث يوم بدر ، هكذا وقع في رواية البخاري في حديث أبي هريرة ، فذكر خبيب بن عدي فيمن شهد بدرا ، وقال الحافظ الدمياطي : لم يذكر أحد من أهل المغازي أن خبيب بن عدي شهد بدرا ولا قتل الحارث بن عامر ، وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن إساف وهو غير خبيب بن عدي ، وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي .

قوله " من بعض بنات الحارث " ، ذكر في الأطراف لخلف أن اسمها زينب بنت الحارث ، وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبا ، وقيل امرأته .

قوله " وكانت تقول " ، الضمير فيه يرجع إلى بعض بنات الحارث وهو زينب كما ذكرنا ، وقال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح قال : حدثت عن ماوية مولاة جحير - بالراء في آخره - ابن أبي إهاب وكانت قد أسلمت ، قالت : حبس خبيب في بيتي ، ولقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الحبل يأكل منه ! قيل : إن كان هذا محفوظا احتمل أن يكون كل من ماوية وزينب رأت القطف في يده يأكله ، وإن التي حبس في بيتها ماوية ، والتي كانت تحرسه زينب - جمعا بين الروايتين ، وذكر ابن بطال أن اسم المرأة جويرية ، قال بعضهم : فيحتمل أن يكون لما رأى قول ابن إسحاق أنها مولاة جحير بن أبي إهاب أطلق عليها جويرية لكونها أمته ، أو يكون وقعت له رواية فيها أن اسمها جويرية . قلت : الاحتمال الثاني له وجه ، والأول بعيد .

قوله " عن صبي لي " ، ذكر الزبير بن بكار أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث وهو من أقران الزهري .

قوله " من قطف عنب " بكسر القاف ، وهو العنقود .

قوله " لموثق " بفتح الثاء المثلثة ; أي مقيد بالحديد .

قوله " فخرجوا به من الحرم " ، قال ابن إسحاق : أخرجوه إلى التنعيم .

قوله " دعوني أصلي " بالياء في رواية الأكثرين ، وفي رواية الكشميهني " أصل " بغير ياء ، وقال موسى بن عقبة : إنه صلى ركعتين في موضع مسجد التنعيم .

قوله " اللهم أحصهم عددا " دعاء عليهم بالاستئصال والهلاك بحيث لا يبقى منهم أحد ، وزاد في رواية إبراهيم بن سعد " واقتلهم بددا " أي متفرقين " ولا تبق منهم أحدا " ، ويروى أنه لما رفع على الخشبة استقبل الدعاء ، فلبد رجل بالأرض خوفا من [ ص: 169 ] دعائه ، وأنه لم يحل الحول ومنهم أحد غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض .

قوله " قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر " ، قيل لعل العظيم المذكور عقبة بن أبي معيط ، فإن عاصما قتله صبرا بأمر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بعد أن انصرفوا من بدر .

قوله " مثل الظلة " بضم الظاء المعجمة ، وهي السحابة .

قوله " من الدبر " بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة ، وهي الزنابير ، وقيل ذكور النحل ، ولا واحد له من لفظه .

قوله " فحمته " بفتح الحاء المهملة والميم ; أي منعته منهم فلم يقدروا منه على شيء ، وفي رواية شعيب " فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئا " ، وفي رواية أبي الأسود عن عروة " فبعث الله عليهم الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم ، فحالت بينهم وبين أن يقطعوا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية