صفحة جزء
3910 171 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض قالوا : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب ، فكنت أحمل في هودجي ، وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى [ ص: 204 ] رحلي ، فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه قالت : وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ، ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل فساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها منهم داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت به ، وظننت أنهم سيفقدوني ، فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول - قالت : فهلك في من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال عروة : أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده ، فيقره ويستمعه ويستوشيه ، وقال عروة أيضا : لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى ، وإن كبر ذلك يقال عبد الله بن أبي ابن سلول قال عروة : كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان ، وتقول : إنه الذي قال :

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

قالت عائشة : فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع ، وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، قالت : وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، قالت : فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ ! فقالت : أي هنتاه ولم [ ص: 205 ] تسمعي ما قال : قالت : وقلت : ما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، قالت : فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي : يا أمتاه ، ماذا يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها ، قالت : فقلت سبحان الله أولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، قالت : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه ، فقال أسامة : أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي ، فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ، وهو على المنبر ، فقال:
يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما يدخل على أهلي إلا معي ، قالت : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : فقام رجل من الخزرج - وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه - وهو سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج - قالت : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ، فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد - فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ; فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، قالت : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : وأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي ، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي ، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي قالت : فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه [ ص: 206 ] وسلم علينا ، فسلم ثم جلس قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ، قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ; فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه ، قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال ، فقال أبي : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال : قالت أمي ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف حين قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذ بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى إنه ليتحدر منه من العرق مثل الجمان ، وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت : فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال : يا عائشة ، أما الله فقد برأك ، قالت : فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه ، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل ، قالت : وأنزل الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات ، ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح ابن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله : غفور رحيم قال أبو بكر الصديق : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقال لزينب : ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، قالت : وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك ،
قال ابن شهاب : فهذا الذي بلغني من [ ص: 207 ] حديث هؤلاء الرهط ، ثم قال عروة : قالت عائشة : والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله ، فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط ، قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله .


مطابقته للترجمة ظاهرة ، والحديث مضى في الشهادات في أول باب تعديل النساء بعضهن بعضا ; فإنه أخرجه هناك عن أبي الربيع سليمان بن داود ... إلى آخره ، وأخرجه هناك عن عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي المدني ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن صالح بن كيسان ... إلى آخره ، وليعتبر الناظر التفاوت بينهما من حيث الزيادة والنقصان ، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى ، ولنتكلم هنا بما يحتاج إليه منه .

فقوله : وأثبت له اقتصاصا ، أي أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث ، وهذا الذي فعله الزهري من جمع الحديث عنهم جائز لا كراهة فيه ; لأن هؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من عظماء التابعين ، فالحجة قائمة بقول أي كان منهم . قوله : " في غزوة غزاها " أرادت الغزوة المصطلقية . قوله : " سهمي " السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر ، وهي القداح ، ثم سمي بها ما يفوز به الفالح سهمه ، ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما ، والمراد من السهم هنا القدح الذي يقترع به . قوله : " أحمل " على صيغة المجهول . قوله : " في هودجي " الهودج مركب من مراكب النساء مقتب وغير مقتب . قوله : " من جزع ظفار " الجزع بفتح الجيم وسكون الزاي وبالعين المهملة خرز ، وهو مضاف إلى ظفار بفتح الظاء المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء مبنية على الكسر ، وهو اسم قرية باليمن ، قوله : " ابتغاؤه " أي طلبه . قوله : " لم يهبلن " بضم الباء الموحدة من الهبل ، وهو كثرة اللحم والشحم ، ويروى على صيغة المجهول من الإهبال ، ويروى : " لم يهبلهن اللحم " أي لم يكثر عليهن ، يقال : " هبله اللحم " إذا كثر عليه وركب بعضه بعضا ، قوله : " العلقة " بضم العين المهملة ، وهي القليل من الأكل . قوله : " فلم يستنكر القوم خفة الهودج " ، وقد تقدم في كتاب الشهادات : " ولم يستنكر القوم ثقل الهودج " ، والتوفيق بينهما أن الخفة والثقل من الأمور الإضافية فيتفاوتان بالنسبة . قوله : " فتيممت " أي قصدت . قوله : " وكان صفوان بن المعطل " بضم الميم وفتح العين والطاء المهملتين ابن ربيضة بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالح بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي بالضم ، ثم الذكواني ، يكنى أبا عمرو ، ويقال : إنه أسلم قبل المريسيع ، وشهد المريسيع وما بعدها ، قال أبو عمر : وكان يكون على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن ابن إسحاق : أنه قتل في غزاة أرمينية شهيدا ، وأميرهم يومئذ عثمان بن العاصي سنة تسع عشرة في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه ، وقيل : مات بالجزيرة في ناحية سميساط ، ودفن هناك ، وقيل غير ذلك ، قوله : " باسترجاعه " ، أي بقوله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قوله : فخمرت ، أي : غطيت من التخمير بالخاء المعجمة ، وهي التغطية . قوله : " وهوى " أي أسرع ، " حتى أناخ " ، أي برك راحلته ، ويقال : هوى يهوي هويا من باب ضرب يضرب إذا أسرع في السير ، وهوي يهوى من باب علم يعلم هويا إذا أحب ، وهوى يهوى هويا بالضم إذا صعد ، وبالفتح إذا هبط ، وفي رواية : " وأهوى " بالهمزة في أوله من أهوى إليه إذا مال وأخذه . قوله : " فوطئ على يدها " أي وطئ صفوان على يد الراحلة ليسهل ركوبها ولا يحتاج إلى مساعدته . قوله : " موغرين " يجوز أن يكون صيغة تثنية ، وأن يكون صيغة جمع نصبا على الحال ، أي : داخلين في الوغرة بالغين المعجمة ، يقال : أوغر الرجل أي دخل في شدة الحر ، كما يقال : أظهر إذا دخل في وقت الظهر ، ووغرت الهاجرة وغرا إذا اشتدت في وقت توسط الشمس السماء ، ووغر الصدر بتحريك الغين المعجمة الغل والحرارة ، ويروى موعرين بالعين المهملة من الوعر ، قوله : " في نحر الظهيرة " أي في صدر الظهر " قوله : " وهم نزول " أي والحال أن الجيش نازلون ، قوله : " فقالت " : أي عائشة رضي الله تعالى عنها . قوله : " فهلك في " بكسر الفاء وتشديد الياء ، أرادت ما قالوا فيها من الكذب والبهتان والافتراء الذي هو سبب لهلاك القائلين ، أي لخزيهم وسواد وجوههم عند الله وعند الناس ، قوله : والذي تولى كبر الإفك بكسر الكاف وفتح الباء الموحدة ، أي الذي باشر معظم الإفك وأكثره عبد الله بن أبي ، بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء ابن سلول بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى ، وهي امرأة من خزاعة ، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن الخزرج ، وكان عبد الله هذا رأس المنافقين ، وابنه عبد الله من فضلاء الصحابة وخيارهم . قوله : " قال عروة " ، أي ابن الزبير بن العوام أحد الرواة [ ص: 208 ] المذكورين أول الحديث ، وهو متصل بالسند الأول . قوله : " أخبرت " على صيغة المجهول ، وهو مقول عروة . قوله : " أنه كان يشاع ويتحدث به عنده " ، أي أن الإفك كان يشاع عند عبد الله بن أبي ، وكل من يشاع ويتحدث على صيغة المجهول من باب تنازع العاملين في قوله : " عنده " قوله : " فيقره " بضم الياء ، أي فيقر عبد الله حديث الإفك ، ولا ينكره ولا ينهى من يقول به ، قوله : " ويستوشيه " ، أي يستخرجه بالبحث والمسألة ثم يفشيه ولا يدعه ينخمد ، وقال الجوهري : يستوشيه ، أي يطلب ما عنده ليزيده . قوله : " لم يسم " على صيغة المجهول ، قوله : " ومسطح " بكسر الميم وسكون المهملة الأولى ، وفتح الثانية ابن أثاثة بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة الأولى ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي ، يكنى أبا عباد ، وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهي ابنة خالة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : أم مسطح بن عامر خالة أبي بكر شهد بدرا ، ثم خاض في الإفك ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن جلد ، ويقال : مسطح لقب ، واسمه عوف ، مات سنة أربع وثلاثين ، وقيل : شهد مسطح صفين ، وتوفي سنة سبع وثلاثين . قوله : " وحمنة " بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنون بنت جحش بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة ابن رياب الأسدية من بني أسد بن خزيمة ، أخت زينب بنت جحش ، كانت عند مصعب بن عمير ، فقتل عنها يوم أحد ، فتزوجها طلحة بن عبيد الله ، وكانت جلدت مع من جلد في الإفك . قوله : " في ناس آخرين " أي حال كون المذكورين في جماعة آخرين في الإفك ، قال عروة : لا علم لي بهم أي بأساميهم ، غير أنهم كانوا عصبة ، قال ابن فارس : العصبة العشرة ، وقال الداودي : ما فوق العشرة إلى الأربعين ، وقيل : العصبة الجماعة . قوله : " كما قال الله تعالى في قوله : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم أي جماعة متعصبون منكم ، أي من المسلمين . قوله : " وإن كبر ذلك " بضم الكاف وسكون الباء الموحدة ، أي وإن متولي معظم الإفك يقال له : عبد الله بن أبي . قوله : أن يسب على صيغة المجهول ، قوله : " وتقول : إنه " أي تقول عائشة : إن حسان قال : فإن أبي ووالده ... إلى آخره . قوله : فإن أبي ، أراد به حسان أباه ثابتا ، وأراد بقوله : ووالده أي والد أبيه ، وهو منذر ، وأبو جده حرام ; لأن حسان هو ابن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري ، وحرام ضد الحلال ، وعاش كل واحد من حسان وأبيه وجده وجد أبيه مائة وعشرين سنة ، وهذا من الغرائب . قوله : " وعرضي " بالكسر هو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره ، وقيل : هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب . قوله : " وقاء " بكسر الواو ، قال الجوهري : الوقاء والوقاء ما وقيت به شيئا ، قوله : " فاشتكيت " ، أي مرضت ، قوله : " والناس يفيضون " بضم الياء ، أي يخوضون ، قوله : " وهو يريبني " بفتح الياء وضمها ، يقال : رابه وأرابه إذا أوهمه وشككه ، قوله : " اللطف " بضم اللام وسكون الطاء وبفتحها جميعا البر ، والرفق ، قوله : " كيف تيكم " اعلم أن تا وته اسم يشار به إلى المؤنث ; فإن خاطبت جئت بالكاف ، فقلت : تيك وتيكما وتيكم وما قبل الكاف لمن تشير إليه في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع . قوله : " حين نقهت " بفتح القاف وكسرها ، أي حين أفقت من المرض ، يقال : نقه نقها ونقوها إذا صح عقيب علته وأنقهه الله ، فهو ناقه ، قوله : " قبل المناصع " بكسر القاف وفتح الباء الموحدة ، والمناصع بالنون والصاد والعين المهملتين على وزن المساجد مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها قاله الأزهري ، وقال ابن الأثير : هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة ، واحدها منصع ; لأنه يبرز إليها ويظهر ، من نصع الشيء ينصع إذا وضح وبان ، قوله : متبرزنا " بتشديد الراء المفتوحة بعدها الزاي المفتوحة ، وهو موضع البراز . قوله : " الكنف " بضمتين جمع كنيف ، وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة . قوله : " الأول " بضم الهمزة وفتح الواو المخففة ، ويروى بفتح الهمزة وتشديد الواو ، قوله : " وهي ابنة أبي رهم " بضم الراء وسكون الهاء ، واسمه أنيس بفتح الهمزة وكسر النون ابن المطلب بن عبد مناف ، ذكره الزبير وضبطه ابن ماكولا هكذا ، ويقال : اسمه صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . قوله : " تعس " بكسر العين قاله الجوهري وبفتحها قاله القاضي ، قوله : " أي هنتاه " يعني : يا هنتاه بفتح الهاء وسكون النون وفتحها ، وأما الهاء الأخيرة فتضم وتسكن ، وهذه اللفظة تختص بالنداء ، ومعناه يا هذه ، وقيل : يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم . قوله : " وضيئة " أي حسنة جميلة ، من الوضاءة ، وهي الحسن . قوله : " إلا كثرن " بتشديد الثاء المثلثة ، ويروى : أكثرن من [ ص: 209 ] الإكثار ، أي كثرن القول الرديء عليها ، قوله : " لا يرقأ " بالقاف والهمزة ، أي لا ينقطع ، يقال : رقأ الدمع والدم والعرق يرقأ رقوءا بالضم إذا سكن وانقطع ، قوله : " أهلك " قال الكرماني : بالرفع والنصب ، قلت : وجه الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : هي أهلك ما بها شيء ، ووجه النصب على تقدير الزم أهلك . قوله : " لم يضيق الله عليك " قول علي رضي الله تعالى عنه هذا لم يكن عداوة ولا بغضا ، ولكن لما رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه به أراد إراحة خاطره وتسهيل الأمر عليه . قوله : " أي بريرة " يعني يا بريرة بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى ، وهي مولاة عائشة رضي الله عنها . قوله : " أغمصه " جملة وقعت صفة لقوله : " أمرا " ومعناه أعيبها به وأطعن به عليها ، ومادته غين معجمة ، وميم وصاد مهملة . قوله : " الداجن " بكسر الجيم ، وهي الشاة التي تقتنى في البيت وتعلف ، وقد تطلق على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره . قوله : " فاستعذر من عبد الله بن أبي " ، أي قال : من يعذرني فيمن آذاني في أهلي ، ومعنى : من يعذرني من يقوم بعذري إن كافأته على قبح فعله ، وقيل : معناه : من ينصرني ، والعذير الناصر ، قوله : " فقام سعد بن معاذ " ، فإن قلت : حديث الإفك كان في المريسيع وسعد قد مات قبله . قلت : ذكر ابن منده أن سعدا مات بالمدينة سنة خمس ، وغزوة المريسيع كانت في شعبان سنة خمس ، فكأن سعدا مات بعد شعبان من هذه السنة ، وقال البيهقي : يشبه أن سعدا لم ينفجر جرحه إلا بعد المريسيع . قوله : " قلص دمعي " ، أي انقطع قوله : " من البرحاء " بضم الباء الموحدة وفتح الراء وتخفيف الحاء المهملة وبالمد ، وبرحاء الحمى وغيرها شدة الأذى . قوله : " الجمان " بضم الجيم وتخفيف الميم ، وهو اللؤلؤ الصغار ، وقيل : حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ ، قوله : " من ثقل القول " ، وضبطه ابن التين بكسر الثاء المثلثة وسكون القاف . قوله : ولا يأتل أولو الفضل منكم أي لا يحلف . قوله : " أحمي سمعي وبصري " هو مأخوذ من الحمي ، تقول : أحميه من المآثم إن رأيت ما قيل ، وبقية الكلام قد مرت في كتاب الشهادات مستوفاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية