صفحة جزء
3928 188 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، قال : حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه ، قال : [ ص: 218 ] خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق ، فلحقت عمر امرأة شابة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، هلك زوجي وترك صبية صغارا ، والله ما ينضجون كراعا ، ولا لهم زرع ولا ضرع ، وخشيت أن تأكلهم الضبع ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري ، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال : مرحبا بنسب قريب ، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار ، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما ، وحمل بينهما نفقة وثيابا ، ثم ناولها بخطامه ، ثم قال اقتاديه ، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين أكثرت لها ، قال عمر : ثكلتك أمك والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه .


مطابقته للترجمة في قوله : وقد شهد أبي الحديبية ، وأسلم - والد زيد - مولى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان من سبي اليمن ، ويقال : من سبي عين التمر ابتاعه عمر بمكة سنة إحدى عشرة ، قوله : " فلحقت عمر امرأة شابة " ، وفي رواية معن عن مالك عند الإسماعيلي : " فلقينا امرأة فتشبثت بثيابه " ، وفي طريق سعيد بن داود عن مالك : " فتعلقت بثيابه " وفي رواية الدارقطني : إني امرأة مؤتمة ، قوله : " صبية " بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة جمع صبي ، قوله : " ما ينضجون كراعا " بضم الياء وسكون النون وكسر الضاد المعجمة بعدها جيم ، يعني لا كراع لهم حتى ينضجونه أو لا كفاية لهم في ترتيب ما يأكلونه أو لا يقدرون على الإنضاج ، يعني أنهم لو حاولوا نضج كراع ما قدروا لصغرهم ، والكراع من الدواب ما دون الكعب ، ومن الإنسان ما دون الركبة ، قوله : " ولا لهم زرع " أي نبات ، قوله : ولا ضرع كناية عن النعم ، قوله : " أن تأكلهم الضبع " بفتح الضاد المعجمة ، وضم الباء الموحدة ، وبالعين المهملة - السنة المجدبة الشديدة ، وأيضا الحيوان المشهور ، وقال الداودي : سميت بذلك لأنه يكثر الموتى فيها حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وغيرها . قيل : فيه نظر .

قوله : " وأنا بنت خفاف " بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى - ابن إيماء بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالمد ، وقيل : أيما بالفتح والقصر ، وهو منصرف ابن رحضة بالحاء المهملة - ابن خزيمة بن خلان بن الحارث بن غفار الغفاري - بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء ، وقال أبو عمر يقال : لخفاف وأبيه وجده صحبة ، وكانوا ينزلون غيقة بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وقاف من بلاد غفار ، ويأتون المدينة كثيرا ، وقال ابن الكلبي : خفاف بن إيماء من المعذرين من الأعراب ، وقال الواقدي : كان فيمن جاء من الأعراب من بني غفار إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو يريد تبوك - يعتذرون إليه في التخلف عنه ، فلم يعذرهم الله ، ولخفاف هذا حديث موصول عند مسلم . قوله : " شهد أبي الحديبية " ، ذكر الواقدي من حديث أبي رهم الغفاري قال : لما نزل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالأبواء أهدى له إيماء بن رحضة مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا ، وبعث بها مع ابنه خفاف ، فقبل هديته ، وفرق الغنم في أصحابه ، ودعا بالبركة . قوله : " مرحبا " معناه أتيت سعة ورحبا . قوله : " بنسب قريب " يحتمل أن يريد به قرب نسب غفار من قريش ; لأن كنانة تجمعهم ، ويحتمل أنه أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف ، قوله : ظهير أي قوي الظهر معد للحاجة ، وقال الجوهري : بعير ظهير بين الظهارة إذا كان قويا ، وناقة ظهيرة ، قوله : " غرارتين " تثنية غرارة بالغين المعجمة ، وهي التي تتخذ للتبن وغيره ، وقيل : هي معربة ، قوله : " بخطامه " أي بخطام البعير ، وهو الحبل الذي يقاد به ، سمي بذلك لأنه يقع على الخطم ، وهو الأنف . قوله : " اقتاديه " أمر من الاقتياد ، وفي رواية سعيد بن داود : " قودي هذا البعير " قوله : " بخير " ، وفي رواية سعيد بن داود : " بالرزق " ، قوله : " ثكلتك أمك " هي كلمة تقولها العرب للإنكار ، ولا يريدون حقيقتها ، كقولهم : تربت يداك وقاتلك الله ، ومعناه الحقيقي : فقدتك أمك ، وهو الدعاء بالموت من الثكل بضم الثاء وسكون الكاف ، وهو فقد الولد .

[ ص: 219 ] ويقال : امرأة ثاكل وثكلى ورجل ثاكل وثكلان . قوله : " أبا هذه " أي أبا هذه المرأة ، وهو خفاف وأخوها لم يدر اسمه ، وكان لخفاف ابنان الحارث ومخلد ، وهما تابعيان ، والحارث روى عن أبيه ، ومخلد يروي عن عروة ، وروى عنه ابن أبي ذئب حديث الخراج من الضمان ، أخرج له الأربعة ، وأما مخلد الغفاري فله صحبة ، ذكره البخاري في الصحابة ، وقال أبو حاتم الرازي : ليس له صحبة ، وقول أبي عمران : لخفاف وأبيه وجده صحبة - يدل على أن يكون هؤلاء أربعة في نسق لهم صحبة ، وهم بنت خفاف ، وخفاف وأبوه إيماء وجده رحضة ، وفيه رد على من زعم أنه لم يوجد أربعة في نسق لهم صحبة سوى بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، قوله : " حصنا " أي حصنا من الحصون ، فافتتحاها ، وكان ذلك في غزوة لم يدر أي غزوة كانت ، قيل : يحتمل أن تكون خيبر ; لأنها كانت بعد الحديبية ، ولها حصون قد حوصرت . قوله : نستفيء " بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وبالفاء وبالهمزة في آخره ، من استفأت هذا المال أي أخذته فيئا ، أي : نطلب الفيء من سهمانهما ، وسمي فيئا لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار ، ومنه : يتفيأ ظلاله أي ترجع على كل شيء من حوله ، ومنه : فإن فاءوا أي رجعوا ، والسهمان بضم السين ، وهو جمع سهم ، وهو النصيب ، وفي رواية الحموي نستقي بالقاف وبدون الهمزة .

التالي السابق


الخدمات العلمية