صفحة جزء
4005 263 - حدثني عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء رضي الله عنه قال : لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، قالوا : لا نقر بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ، ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال : أنا رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي : امح رسول الله ، قال علي : لا والله ، لا أمحوك أبدا ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ، وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب ، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه ، وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها ، فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليا ، فقالوا : قل لصاحبك : اخرج عنا ، فقد مضى الأجل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم ، فتناولها علي فأخذ بيدها ، وقال لفاطمة عليها السلام [ ص: 263 ] دونك ابنة عمك حملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ، قال علي : أنا أخذتها وهي بنت عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال الخالة بمنزلة الأم ، وقال لعلي : أنت مني وأنا منك ، وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي ، وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، وقال علي : ألا تتزوج بنت حمزة قال : إنها ابنة أخي من الرضاعة .


مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعبيد الله بن موسى بن باذام الكوفي ، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي .

والحديث قد مضى في الصلح ، في باب كيف يكتب : هذا ما صالح فلان بن فلان بعين هذا الإسناد والمتن ، وقال الحافظ المزي : قيل : مر الحديث في الحج ولم أجده فيه .

قوله : " في ذي القعدة " أي : من سنة ست ، قوله : " فأبى " من الإباء ، وهو الامتناع ، قوله : " أن يدعوه " بفتح الدال ، أي : أن يتركوه ، قوله : " حتى قاضاهم " أي : صالحهم وفاصلهم ، قوله : " على أن يقيم بها " أي : بمكة ثلاثة أيام من العام المقبل ، وصرح به في حديث ابن عمر الذي بعده ، قوله : " فلما كتبوا " هكذا هو بصيغة الجمع عند الأكثرين ، ويروى : " فلما كتب الكتاب " بصيغة المجهول من الفعل الماضي المفرد ، قوله : " هذا " إشارة إلى ما تصور في الذهن ، قوله : " ما قاضى " في محل الرفع على أنه خبر لقوله : هذا ، ووقع في رواية الكشميهني " هذا ما قاضا " قيل : هذا غلط ; لأنه لما رأى قوله : " كتبوا ظن أن المراد كتب قريش ، وليس كذلك ، بل المسلمون هم الذين كتبوا ، ( فإن قلت ) : الكاتب كان واحدا ، فما وجه صيغة الجمع ؟ ( قلت ) : لما كانت الكتابة برأيهم أسندت إليهم مجازا ، قوله : " لا نقر لك بهذا الأمر الذي تدعيه " وهو النبوة ، وقد تقدم في الصلح بلفظ : " فقالوا : لا نقر بها " أي : بالنبوة ، قوله : " لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا " وزاد في رواية يوسف " ولبايعناك " ، وفي رواية النسائي عن أحمد بن سليمان ، عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه : " ما منعناك بيته " ، وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق : " لو كنت رسول الله لم نقاتلك " ، وفي حديث أنس لاتبعناك ، وفي حديث المسور " فقال سهيل بن عمر : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك " ، وفي رواية أبي الأسود ، عن عروة في المغازي : " فقال سهيل : ظلمناك إن أقررنا لك بها ومنعناك " ، وفي رواية عبد الله بن مغفل : " لقد ظلمناك إن كنت رسولا " ، قوله : " امح " بضم الميم من محا يمحو ، قوله : " رسول الله " بالنصب ; لأنه مفعول امح ، ولكن تقديره : امح لفظ رسول الله ، قوله : " قال علي : لا والله لا أمحوك أبدا " أي : لا أمحو اسمك أبدا ، وإنما لم يمتثل الأمر ; لأنه علم بالقرائن أن أمره عليه السلام لم يكن متحتما ، قوله : " وليس يحسن يكتب " أي : والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس يحسن الكتابة ; فكتب : " هذا ما قاضى " ، ( فإن قلت ) : قال الله تعالى : الرسول النبي الأمي والأمي لا يحسن الكتابة فكيف كتب ؟ ( قلت ) : فيه أجوبة :

( الأول ) : أن الأمي من لا يحسن الكتابة ، لا من لا يكتب . ( الثاني ) : أن الإسناد فيه مجازي ، إذ هو الآمر بها ، وقال السهيلي : والحق أن قوله : " فكتب " أي : أمر عليا أن يكتب ، قلت : هو بعينه الجواب الثاني . ( الثالث ) : أنه كتب بنفسه خرقا للعادة على سبيل المعجزة ، وأنكر بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبة هذه اللفظة ، أعني قوله : " ليس يحسن يكتب " إلى تخريج البخاري ، وقال : ليست هذه اللفظة في البخاري ولا في مسلم ، وهو كما قال : ليس في مسلم هذا ، ولكن ثبتت هذه اللفظة في البخاري ، وكذلك في رواية النسائي عن أحمد بن سليمان ، عن عبيد الله بن موسى مثل ما هي هنا سواء ، وكذا أخرجها أحمد عن يحيى بن المثنى ، عن إسرائيل ولفظه : " فأخذ الكتاب " ، وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ، قوله : " لا يدخل " بضم الياء من الإدخال ، والسلاح منصوب به ، قوله : " وأن لا يخرج " على صيغة المعلوم ، قوله : " في القراب " ، وقراب السيف جفنه ، وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده ، قوله : " فلما دخلها " أي : في العام المقبل ، قوله : " ومضى الأجل " أي : ثلاثة أيام ، قوله : " قل لصاحبك : اخرج عنا " أراد بصاحب علي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم .

[ ص: 264 ] وفي رواية يوسف : " مر صاحبك فليرتحل " ، قوله : " فتبعته ابنة حمزة " هكذا رواه البخاري معطوفا على إسناد القصة التي قبله ، وكذا أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان ، عن عبيد الله بن موسى ، وكذا أخرجه الحاكم في الإكليل وادعى البيهقي أن فيه إدراجا ; لأن زكريا بن أبي زائدة رواه عن أبي إسحاق مفصلا ، فأخرج مسلم والإسماعيلي القصة الأولى من طريقه عن أبي إسحاق حديث البراء فقط ، وأخرج البيهقي قصة بنت حمزة من طريقه عن أبي إسحاق من حديث علي رضي الله تعالى عنه ، وأخرج أبو داود من طريق إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل قصة بنت حمزة خاصة من حديث علي بلفظ : لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة الحديث ، قيل : لا إدراج فيه ; لأن الحديث كان عند إسرائيل ، وكذا عند عبيد الله بن موسى عنه بالإسنادين جميعا لكنه في القصة الأولى من حديث البراء أتم ، وبالقصة الثانية من حديث علي أتم ، واسم ابنة حمزة عمارة ، وقيل فاطمة ، وقيل أمامة ، وقيل أمة الله ، وقيل سلمى ، والأول أشهر ، قوله : " تنادي يا عم " إنما خاطبت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك إجلالا له ، وإنما هو ابن عمها أو بالنسبة إلى كون حمزة أخاه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الرضاعة ، قوله : " دونك " من أسماء الأفعال ، معناه خذيها ، وهي كلمة تستعمل في الإغراء بالشيء ، قوله : " حملتها " بصيغة الفعل الماضي بتخفيف الميم ، قيل أصله فحملتها بالفاء ، وكأنها سقطت ، وكذا بالفاء في رواية أبي داود ، وفي رواية أبي ذر عن السرخسي والكشميهني حمليها بتشديد الميم بصورة الأمر من التحميل ، وقد مر في الصلح في هذا الموضع للكشميهني أحمليها أمر من الإحمال ، وروى الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة رضي الله تعالى عنها ، وهي في هودجها أمسكيها عندك ، وعند ابن سعد من مرسل محمد بن علي بن الحسين الباقر بإسناد صحيح إليه ، فبينما بنت حمزة تطوف في الرحال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، قوله : " فاختصم فيها " ، أي : في بنت حمزة علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة وجعفر أخو علي أراد أن كلا منهم أراد أن تكون ابنة حمزة عنده ، وكانت الخصومة فيها بعد قدومهم المدينة ، وثبت ذلك في حديث علي عند أحمد والحاكم ، فإن قلت زيد بن حارثة ليس أخا لحمزة لا نسبا ولا رضاعا ، فكيف اختصم ؟ قلت : قال الكرماني : آخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينه وبين حمزة انتهى ، قلت ذكر الحاكم في الإكليل وأبو سعيد في شرف المصطفى من حديث ابن عباس بسند صحيح : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان آخى بين حمزة وزيد بن حارثة ، وأن عمارة بنت حمزة كانت مع أمها بمكة ، قلت : اسم أمها سلمى بنت عميس وهي معدودة في الصحابة ، فإن قلت : كيف تركت عند أمها وهي في دار الحرب قلت : إما أن أمها لم تكن أسلمت إلا بعد هذه القضية ، وإما أنها قد ماتت ، وروي عن ابن عباس أن عليا قال له : كيف تترك ابنة عمك مقيمة بين ظهراني المشركين ، فإن قلت : كيف أخذوها ، وفيه مخالفة لكتاب العهد قلت : قد تقدم في كتاب الشروط أن النساء المؤمنات لم يدخلن في العهد ، ولئن سلمنا كون الشرط عاما ، ولكن لا نسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخرجها ، ووقع في مغازي سليمان التيمي : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما رجع إلى أهله وجد بنت حمزة فقال لها : ما أخرجك ؟ قالت : رجل من أهلك ، ولم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بإخراجها ، وفي حديث علي عند أبي داود أن زيد بن حارثة أخرجها من مكة ، قوله : " وخالتها تحتي " أي : زوجتي واسمها أسماء بنت عميس ، قوله : " والخالة بمنزلة الأم " أي : في الحنو والشفقة وإقامة حق الصغير ، وقال بعضهم : لا حجة فيه لمن زعم أن الخالة ترث ; لأن الأم ترث ، قلت : هي من ذوي الأرحام ، قال الله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وعلى هذا كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، حتى روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قضى في عم لأم وخالة ، أعطى العم الثلثين ، والخالة الثلث ، والحديث لا ينافي توريث الخالة ، بل ظاهره يدل عليه من حيث العموم ، قوله : " وقال لعلي " أي : وقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : أنت مني وأنا منك ، أي : في النسب والصهر والسابقة والمحبة وغير ذلك ، ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها ، قوله : " وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي " بفتح الخاء في الأول وضمها في الثاني .

( أما الأول ) : فالمراد به الصورة ، فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، قيل : هم عشرة أنفس غير فاطمة ، وقيل : أكثر من عشرة : منهم إبراهيم ولد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعبد الله وعون ولدا جعفر وإبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ويحيى بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، والقاسم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي [ ص: 265 ] طالب ، ومنهم علي بن علي بن عباد بن رفاعة الرفاعي ، شيخ بصري من أتباع التابعين . ( وأما الثاني ) أعني شبهه في الخلق فمخصوص بجعفر ، وهذه منقبة عظيمة له قال الله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم قوله : " وقال لزيد : أنت أخونا ، يعني في الإيمان ، ومولانا يعني من جهة أنه أعتقه ، وهو المولى الأسفل ، وقد طيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خواطر الجميع لكل أحد بما يناسبه ، قوله : " وقال علي رضي الله تعالى عنه ، هو موصول بالإسناد المذكور أولا ، قوله : " إنها " أي : بنت حمزة ابنة أخي من الرضاعة ، وذلك أن ثويبة بضم الثاء المثلثة ، وفتح الواو ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح الباء الموحدة ، مولاة أبي لهب أرضعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وحمزة رضي الله تعالى عنه ، وقال الذهبي في تجريد الصحابة : إن ثويبة أسلمت .

التالي السابق


الخدمات العلمية