صفحة جزء
4030 288 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه قال : لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا ، خرج أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران ، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة ، فقال أبو سفيان : ما هذه ؟ لكأنها نيران عرفة ، فقال بديل بن ورقاء : نيران بني عمرو ، فقال أبو سفيان : عمرو أقل من ذلك ، فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم ، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم أبو سفيان ، فلما سار قال للعباس : احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين ، فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان ، فمرت كتيبة قال : يا عباس ، من هذه ؟ قال : هذه غفار ، قال : ما لي ولغفار ، ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك ، ومرت سليم فقال مثل ذلك ، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال : من هذه ؟ قال : هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة ، معه الراية ، فقال سعد بن عبادة : يا أبا سفيان ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ، فقال أبو سفيان : يا عباس ، حبذا يوم الذمار ، ثم جاءت كتيبة ، وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال : ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة ؟ قال : ما قال ؟ قال : قال كذا وكذا ، فقال : كذب سعد ، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة ، قال : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون . قال عروة : وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال : سمعت العباس يقول للزبير بن العوام : يا أبا عبد الله ، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية ، قال : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى ، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان : حبيش بن الأشعر ، وكرز بن جابر الفهري ) .


مطابقته للترجمة في قوله : وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون ، وعبيد بن إسماعيل أبو محمد القرشي الكوفي ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهذا الحديث من مراسيل التابعي ، قوله : " فبلغ ذلك " أي : سير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قوله : " أبو سفيان " اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد [ ص: 279 ] شمس الأموي القرشي ، غلبت عليه كنيته ، وقيل كانت له كنية أخرى أبو حنظلة ، كني بابن له يسمى حنظلة ، قتله علي بن أبي طالب يوم بدر كافرا ، وتوفي أبو سفيان بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة ، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا خالد ، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين ، وهو ابن مائة وعشرين سنة ، وبديل بضم الباء الموحدة ، وفتح الدال المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام ، ابن ورقاء مؤنث الأورق ، ابن عبد العزى بن ربيعة الخزاعي من خزاعة أسلم يوم فتح مكة ، وابنه عبد الله بن بديل ، قوله : " مر الظهران " بفتح الميم وتشديد الراء والعامة يسكنون الراء وزيادة واو ، والظهران بفتح الظاء المعجمة ، وسكون الهاء بلفظ تثنية ظهر ، وهو موضع بقرب مكة ، وقال البكري : بينه وبين مكة ستة عشر ميلا ، قوله : " فإذا هم " كلمة " إذا " مفاجأة ، وهم يرجع إلى أبي سفيان وحكيم وبديل ، قوله : " كأنها نيران عرفة " أي : كأن هذه النيران مثل النيران التي كانوا يوقدونها ، وكانت عادتهم أنهم يشعلون نيرانا كثيرة في عرفة ، وقال ابن سعد : إنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما نزل مر الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار ، ولما بلغ قريشا مسيره صلى الله عليه وسلم وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم ، بعثوا أبا سفيان يتجسس الأخبار وقالوا : إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا ، فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل ، فلما رأوا العسكر أفزعهم ، وعلى الحرس تلك الليلة عمر رضي الله تعالى عنه ، فسمع العباس صوت أبي سفيان فقال : أبا حنظلة ، فقال : لبيك ، قال : هذا رسول الله في عشرة آلاف فأسلم ثكلتك أمك ، وقال ابن إسحاق : إن أبا سفيان ركب مع العباس ، ورجع حكيم وبديل ، وقال موسى بن عقبة : ذهبوا كلهم مع العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، وقال أبو معشر : إن الحرس جاءوا بأبي سفيان إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال : احبسوهم حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبره الخبر جاء العباس إلى أبي سفيان فأردفه فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا بالآخرين ، وقال الطبري : إنه صلى الله عليه وسلم وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة وقال : من دخل دار حكيم فهو آمن ، وهي بأسفل مكة ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، وهي بأعلى مكة ، فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ، ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي : إن مكة مؤمنة وليست عنوة ، والأمان كالصلح ، ورأى أن أهلها مالكون رباعهم ، قوله : " ما هذه ؟ " استفهام ، وكأنه جواب قسم محذوف ، أي : والله لكأنها نيران ليلة عرفة ، قوله : " نيران بني عمرو " يعني خزاعة ، وعمرو هو ابن لحي ، قوله : " من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم " بفتح الحاء المهملة ، وهو جمع حرسي ، وقال ابن الأثير : الحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته ، وفي مراسيل أبي سلمة : وكان حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عليهم تلك الليلة ، فجاءوا به إليه فقالوا : جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة ، فقال عمر : والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم قالوا : قد أتيناك بأبي سفيان ، قوله : " عند حطم الخيل " . قال ابن الأثير : في باب الحاء المهملة ، وفي حديث الفتح قال للعباس : احبس أبا سفيان عند حطم الخيل ، هكذا جاءت في كتاب أبي موسى ، وقال : حطم الخيل الموضع الذي حطم منه ، أي : ثلم منه فبقي متقطعا ، قال : ويحتمل أن يريد عند مضيق الخيل حيث يزحم بعضهم بعضا ، ورواه أبو نصر الحميدي في كتابه بالخاء المعجمة ، وفسرها في غريبه فقال : الخطم والخطمة رغن الجبل ، وهو الأنف البارز منه ، والذي جاء في كتاب البخاري ، وهو أخرج الحديث فيما قرأناه ، ورويناه في نسخ كتابه : " عند حطم الخيل " هكذا مضبوطا يعني بالخاء المعجمة ، وسكون الياء آخر الحروف .

فإن صحت الرواية به ولم تكن تحريفا من الكتبة فيكون معناه ، والله أعلم أن يحبسه في الموضع المتضايق الذي يتحطم فيه الخيل ، أي : يدوس بعضها بعضا ، فيراها جميعا ، وتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع ، وكذلك أراد بحبسه عند حطم الجبل يعني بالجيم على ما شرحه الحميدي ، فإن الأنف البارز من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج منه ، وقال الخطابي : خطم الجبل بالخاء المعجمة ، وهو ما خطم منه ، أي : ثلم من عرضه ، فبقي متقطعا ، وكذا قاله ابن التين ، وقال الكرماني : الخطم المتكسر المنخرق ، والجبل بالجيم ، قلت : وفي رواية القابسي والنسفي : الخطم بالخاء المعجمة ، والجبل بالجيم والباء الموحدة ، وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي ، وفي رواية الأكثرين بفتح الخاء من الخطم ، وبالخاء المعجمة من الخيل ، قوله : " كتيبة " بفتح الكاف ، وكسر التاء المثناة من فوق ، وهي القطعة المجتمعة من الجيش ، وأصله من الكتب ، [ ص: 280 ] وهو الجمع ، قوله : " هذه " أي : هذه الكتيبة ، " غفار " بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وبالراء ، وهو ابن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، قوله : " ما لي ولغفار " يعني ما كان بيني وبينهم حرب ، قوله : " جهينة " بضم الجيم ، وفتح الهاء ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفتح النون ، وهو ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة ، قوله : " سعد بن هذيم " بضم الهاء ، وفتح الذال المعجمة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره ميم ، والمعروف فيها سعد هذيم بالإضافة ، وسعد بن هذيم على المجاز ، وسعد بن هذيم طوائف من العرب ، وهذيم الذي نسب إليه سعد عبد كان رباه فنسب إليه ، قوله : " ومرت سليم " بضم السين ، وفتح اللام ، وهو ابن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس غيلان ، قوله : " معه الراية " أي : راية الأنصار ، وكانت راية المهاجرين مع الزبير بن العوام ، قوله : " يوم الملحمة " بالحاء المهملة ، أي : يوم حرب لا يوجد فيه مخلص ، وقيل يوم القتل يقال : لحم فلان فلانا إذا قتله ، قوله : " حبذا يوم الذمار " بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم ، أي : يوم الهلاك ، وقال الخطابي : تمنى أبو سفيان أن يكون له يد فيحمي قومه ، ويدفع عنهم ، وقيل : المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل والانتصار لهم لمن قدر عليه ، وقيل : المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه ، وقال ابن إسحاق : زعم بعض أهل العلم أن سعدا لما قال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ، فسمعها رجل من المهاجرين فقال : يا رسول الله ، ما آمن أن يكون لسعد في قريش ، فقال لعلي رضي الله تعالى عنه : أدركه فخذ الراية منه ، فكن أنت تدخل بها ، وقال ابن هشام : الرجل المذكور هو عمر رضي الله تعالى عنه ، وذكر الأموي في المغازي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل إلى سعد فأخذ الراية منه ، فدفعها إلى ابنه قيس ، وجزم موسى بن عقبة في المغازي ، عن الزهري أنه دفعها إلى الزبير بن العوام ، فإن قلت : هذه ثلاثة أقوال ، فما التوفيق بينها ؟ قلت : الجمع فيها أن عليا أرسل بنزعها ، وأن يدخل بها ، ثم خشي تغير خاطر سعد ، فدفعها لابنه قيس ، ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منه ، فحينئذ أخذها الزبير ، قوله : " وهي أقل الكتائب " أي : أقلها عددا ، قال عياض : وقع للجميع بالقاف ، ووقع للحميدي بالجيم ، أي : أجلها ، قوله : " فقال : كذب سعد " أي : قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كذب ، أي : أخطأ سعد ، قوله : " قال : وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " القائل بذلك هو عروة ، وهو من بقية الخبر ، وهو ظاهر الإرسال في الجميع إلا في القدر الذي صرح عروة بسماعه له من نافع بن جبير ، وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه ، عن أبيه ، أو عن العباس ، فإنه أدركه وهو صغير ، قوله : " الحجون " بفتح الحاء المهملة ، وضم الجيم الخفيفة ، هو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة شرفها الله تعالى ، قوله : " قال عروة : وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم " إلى قوله : " وأمر " هذا السياق يوهم أن نافعا حضر المقالة المذكورة يوم فتح مكة ، وليس كذلك فإنه لا صحبة له ، ولكنه محمول على أنه سمع العباس يقول للزبير ذلك بعد ذلك في حجة اجتمعوا فيها ، إما في خلافة عمر ، أو في خلافة عثمان ، قوله : " وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " إلى قوله : " من كداء " بفتح الكاف وتخفيف الدال وبالمد ، وهو أعلى مكة ، وكدى بضم الكاف والقصر والتنوين ، قيل : هذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية أن خالدا دخل من أسفل مكة ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من أعلاها ، وضربت له هناك قبة ، قوله : " حبيش " بضم الحاء المهملة ، وفتح الباء الموحدة وبالشين ، وعند ابن إسحاق : خنيس بضم الخاء المعجمة ، وفتح النون وبالسين المهملة ، وكلاهما مصغر ابن الأشعر ، وهو لقب ، واسمه خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن حزم الخزاعي ، وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مهاجرا واسمها عاتكة ، قوله : " وكرز " بضم الكاف ، وسكون الراء وفي آخره زاي ابن جابر بن حسل بكسر الحاء ، وسكون السين المهملتين ابن الأحب بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة ابن حبيب الفهري ، وكان من رؤساء المشركين ، وهو الذي أغار على سرح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديما وبعثه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في طلب العرنيين ، وذكر ابن إسحاق أن هذين الرجلين سلكا طريقا فشذا عن عسكر خالد رضي الله تعالى عنه ، فقتلهما المشركون يومئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية