صفحة جزء
4168 422 - حدثنا قتيبة، حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها.


مطابقته للترجمة في قوله: اشتد برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجعه، وسفيان بن عيينة، وفي بعض النسخ هكذا.

[ ص: 62 ] والحديث مضى في كتاب العلم في باب كتابة العلم من غير هذا الوجه، ومضى أيضا في الجهاد في باب جوائز الوفد، فإنه أخرجه هناك عن قبيصة عن ابن عيينة إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ولنذكر بعض شيء.

قوله: (يوم الخميس) مرفوع على أنه خبر للمبتدأ المحذوف أي هذا يوم الخميس، ويجوز العكس.

قوله: (وما يوم الخميس) مثل هذا يستعمل عند إرادة تفخيم الأمر في الشدة، والتعجب منه، وزاد في الجهاد من هذا الوجه: ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى.

قوله: (اشتد برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجعه) زاد في الجهاد يوم الخميس فهذا يدل على تقدم مرضه عليه.

قوله: (ائتوني) أي بكتاب، وكذا هو في كتاب العلم.

قوله: (ولا ينبغي عند نبي) قيل: هذا مدرج من قول ابن عباس، والصواب أنه من الحديث المرفوع، ويؤيده ما في كتاب العلم: ولا ينبغي عندي التنازع.

قوله: (أهجر) بهمزة الاستفهام الإنكاري عند جميع رواة البخاري، وفي رواية الجهاد هجر بدون الهمزة، وفي رواية الكشميهني هناك: هجر هجر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بتكرار لفظ هجر، وقال عياض: معنى هجر أفحش، ويقال هجر الرجل إذا هذى، وأهجر إذا أفحش.

قلت: نسبة مثل هذا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يجوز؛ لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مستحيل؛ لأنه معصوم في كل حالة في صحته ومرضه؛ النبي لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ولقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقا" وقد تكلموا في هذا الموضع كثيرا، وأكثره لا يجدي، والذي ينبغي أن يقال: إن الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام، ولم يكونوا عالمين بأن هذا القول لا يليق أن يقال في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ظنوا أنه مثل غيره من حيث الطبيعة البشرية إذا اشتد الوجع على واحد منهم تكلم من غير تحر في كلامه، ولهذا قالوا استفهموه؛ لأنهم لم يفهموا مراده، ومن أجل ذلك وقع بينهم التنازع حتى أنكر عليهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: ولا ينبغي عند نبي التنازع، وفي الرواية الماضية: ولا ينبغي عندي تنازع.

ومن جملة تنازعهم ردهم عليه، وهو معنى قوله: (فذهبوا يردون عليه) ويروى يردون عنه أي عما قاله فلهذا قال: دعوني أي اتركوني، والذي أنا فيه من المراقبة والتأهب للقاء الله عز وجل، فإنه أفضل من الذي تدعونني إليه من ترك الكتابة، ولهذا قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.

وقال ابن التين: قوله: (فذهبوا يردوا عليه) كذا في الأصول يعني بحذف النون ثم قال: وصوابه يردون يعني بنون الجمع؛ لعدم الجازم والناصب، ولكن ترك النون بدونهما لغة بعض العرب.

قوله: (وأوصاهم) أي في تلك الحالة بثلاث أي بثلاث خصال (الأولى) قوله: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وهي من العدن إلى العراق طولا، ومن جدة إلى الشام عرضا.

قوله: (وأجيزوا) هي (الثانية) من الثلاث المذكورة، وهو بالجيم والزاي معناه أعطوا الجائزة، وهي العطية، ويقال: إن أصل هذا أن ناسا وفدوا على بعض الملوك، وهو قائم على قنطرة فقال: أجيزوهم فصاروا يعطون الرجل ويطلقونه فيجوز على القنطرة متوجها، فسميت عطية من يفد على الكبير جائزة، ويستعمل أيضا في إعطاء الشاعر على مدحه، ونحو ذلك.

قوله: (بنحو ما كنت أجيزهم) أي بمثله، وكانت جائزة الواحد على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أوقية من فضة، وهي أربعون درهما، والضمير المنصوب في أجيزهم يعود إلى الوفد المذكور تقديرا، وهو مفعول.

قوله: (أجيزوا) أي أجيزوا الوفد، وقد حذف لدلالة أجيزوا عليه من حيث اللفظ والمعنى.

قوله: (وسكت عن الثالثة) أي عن الخصلة الثالثة، قيل: القائل ذلك هو سعيد بن جبير، وقد صرح الإسماعيلي في روايته بأنه هو سفيان بن عيينة، وفي مسند الحميدي من طريقه، وروى أبو نعيم في المستخرج، قال سفيان: قال سليمان بن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها، وهذا هو الأظهر الأقرب، واختلفوا في الثالثة ما هي فقال الداودي: الوصية بالقرآن، وبه قال ابن التين، وقال المهلب: تجهيز جيش أسامة، وبه قال ابن بطال، ورجحه، وقال عياض: هي قوله: لا تتخذوا قبري وثنا يعبد، فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، وقيل: يحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله: "الصلاة وما ملكت أيمانكم".

قوله: (أو قال: فنسيتها) شك من الراوي.

التالي السابق


الخدمات العلمية