صفحة جزء
استكثرتم أضللتم كثيرا


أشار به إلى قوله تعالى يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وفسره بقوله: "أضللتم كثيرا" وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قد استكثرتم من الإنس بمعنى أضللتم منهم كثيرا، وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة، وعجبي من شراح هذا الكتاب كيف أهملوا تحقيق هذا الموضع وأمثاله، فمنهم من قال هنا: قوله: "استكثرتم أضللتم كثيرا" ووصله ابن أبي حاتم كذلك، ومنهم من قال: هو كما قال، ومنهم من لم يذكره أصلا، فإذا وصل قارئ البخاري إلى هذا الموضع ووقف على قوله: "استكثرتم أضللتم" ولم يكن القرآن في حفظه حتى يقف عليه، ولم يعلم أوله ولا آخره - تحير في ذلك، فإذا رجع إلى شرح من شروح هؤلاء يزداد تحيرا، وشرح البخاري لا يظهر بقوة الحفظ في الحديث أو بعلو السند أو بكثرة النقل، ولا يخرج من حقه إلا من له يد في الفنون، ولا سيما في اللغة العربية والمعاني والبيان والأصول، مع تتبع معاني ألفاظه كلمة كلمة، وبيان المراد منه، والتأمل فيه، والغوص في تيار تحقيقاته، والبروز منه بمكنونات تدقيقاته.

التالي السابق


الخدمات العلمية