صفحة جزء
3906 وقال أبان : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال له : تخافني قال : لا ، قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : الله فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان .


هذا طريق آخر في حديث جابر ، وهو معلق أخرجه عن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة ابن يزيد العطار البصري ، ووصله مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عفان ، عن أبان بتمامه ، قوله : " ظليلة " أي مظللة ، أي : ذات ظل كثيف . قوله [ ص: 200 ] فجاء رجل هو غورث على ما يأتي بيانه الآن . قوله وسيف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الواو فيه للحال . قوله : " وأقيمت الصلاة " إلخ ، واستشكل ابن التين هذه الرواية عن جابر ; لأنهم كانوا في سفر ، فكيف يصلي بكل طائفة ركعتين ، وهو يصلي أكثر من المأمومين ؟

وأجيب بأنه لا إشكال هنا ; لأنهم صلوا معه ركعتين ، ثم كملوا ، يدل عليه قوله : " ثم تأخروا " .

فإن قلت : قوله : " وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتين " . ينافي هذا الجواب .

قلت : معنى قوله : " وللقوم ركعتين مع الإمام وركعتين أخريين منفردين " ، وأولوه كذا كما أولوا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة ; حيث قالوا : إن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا ، كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف ، وقال النووي : لا بد من هذا التأويل ، جمعا بين الأدلة .

( وقال مسدد : عن أبي عوانة عن أبي بشر : اسم الرجل غورث بن الحارث ، وقاتل فيها محارب خصفة ) .

أبو عوانة بفتح العين هو الوضاح اليشكري البصري ، وأبو بشر بكسر الباء الموحدة هو جعفر بن أبي وحشية ، وهذا التعليق أخرجه سعيد بن منصور ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سليمان بن قيس ، يعني اليشكري الثقة ، عن جابر .

قوله : " اسم الرجل " أراد الرجل الذي في قوله : " فجاء رجل من المشركين " . قوله : " غورث " بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء وبالثاء المثلثة ، وقيل : بضم أوله ، مأخوذ من الغرث ، وهو الجوع ، وحكى الخطابي فيه : غويرث بالتصغير . قوله : " وقاتل فيها " أي في تلك الغزوة . قوله : " محارب خصفة " مفعول قاتل ، ومحارب مضاف إلى خصفة ، وقد ذكرنا أن محارب قبائل كثيرة ، فذكر خصفة للتمييز ، وروى البيهقي من طريقين ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سليمان بن قيس ، عن جابر قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة ، فرأوا من المسلمين غرة ، فجاء رجل منهم يقال له : غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يمنعك . الحديث .

وقال أبو الزبير : عن جابر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل ، فصلى الخوف .

أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس علقه عنه البخاري ، وتقدم الكلام في رواية أبي الزبير ، عن جابر عن قريب . قوله : فصلى الخوف ، أي فصلى صلاة الخوف .

وقال أبو هريرة : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف ، وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر ) .

هذا التعليق وصله أبو داود ، والطبراني ، وابن حبان من طريق أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن مروان بن الحكم : أنه سأل أبا هريرة : هل صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ وقال أبو هريرة : نعم ، قال مروان : متى ، قال : عام غزوة نجد .

قوله : " وإنما جاء أبو هريرة ... إلى آخره " . ذكر البخاري هذا تأكيدا لقوله : إن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر ، وذلك لأن أبا هريرة ما جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلا في أيام خيبر ، وفيه نظر لا يخفى ; لأنه لا يلزم من قوله : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف " أن يكون هذا في غزوة ذات الرقاع ; لأنه صلى الله عليه وسلم غزا غزوات عديدة في جهة نجد .

التالي السابق


الخدمات العلمية