صفحة جزء
1331 بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الزكاة

باب وجوب الزكاة
أي : هذا كتاب في بيان أحكام الزكاة ، وقد وقع عند بعض الرواة : كتاب وجوب الزكاة ، وعند بعضهم : باب وجوب الزكاة ، ولم يقع في رواية أبي ذر لا باب ولا كتاب ، وفي أكثر النسخ وقع " كتاب الزكاة " ثم وقع بعده " باب وجوب الزكاة " كما هو المذكور [ ص: 233 ] هاهنا .

إنما ذكر كتاب الزكاة عقيب كتاب الصلاة من حيث إن الزكاة ثالثة الإيمان وثانية الصلاة في الكتاب والسنة ; أما الكتاب فقوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس . . . الحديث . وهي لغة عبارة عن النماء ، يقال زكا الزرع إذا نما ، وقيل عن الطهارة قال الله تعالى : قد أفلح من تزكى أي تطهر .

قلت : الزكاة اسم للتزكية وليست بمصدر ، وقال نفطويه : سميت بذلك لأن مؤديها يتزكى إلى الله ; أي يتقرب إليه بصالح العمل ، وكل من تقرب إلى الله بصالح عمل فقد تزكى إليه . وقيل : سميت زكاة للبركة التي تظهر في المال بعدها . وفي المحكم : الزكاء - ممدودا - النماء ، والريع زكا يزكو زكاء وزكوا وأزكى ، والزكاء ما أخرجته الأرض من الثمر ، والزكاة الصلاح ، ورجل زكي من قوم أزكياء وقد زكى زكاء ، والزكاة ما أخرجته من مالك لتطهره . وقال أبو علي : الزكاة صفوة الشيء . وفي الجامع : زكت النفقة أي بورك فيها . وقال ابن العربي في كتابه المدارك : تطلق الزكاة على الصدقة أيضا وعلى الحق والنفقة والعفو عند اللغويين ، وهي شرعا إيتاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير غير هاشمي .

ثم لها ركن وسبب وشرط وحكم وحكمة ; فركنها جعلها الله تعالى بالإخلاص ، وسببها المال ، وشرطها نوعان : شرط السبب وشرط من تجب عليه ، فالأول ملك النصاب الحولي ، والثاني العقل والبلوغ والحرية . وحكمها سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الآخرة ، وحكمتها كثيرة ; منها التطهر من أدناس الذنوب والبخل ، ومنها ارتفاع الدرجة والقربة ، ومنها الإحسان إلى المحتاجين ، ومنها استرقاق الأحرار فإن الإنسان عبيد الإحسان ، وقال القشيري : على قول من قال النماء أي إخراجها يكون سببا للنماء ، كما صح " ما نقص مال من صدقة " ، ووجه الدليل منه أن النقص محسوس بإخراج القدر الواجب ولا يكون غير ناقص إلا بزيادة تبلغه إلى ما كان عليه من المعنيين جميعا - المعنوي والحسي - في الزيادة ، أو بمعنى تضعيف أجورها كما جاء " إن الله يربي الصدقة حتى تكون كالجبل " . ومن قال إنها طهارة فللنفس من رذيلة البخل ، أو لأنها تطهر من الذنوب ، وهذا الحق أثبته الشارع لمصلحة الدافع والآخذ معا ; أما الدافع فلتطهيره وتضعيف أجره ، وأما الآخذ فلسد خلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية