صفحة جزء
1058 - " أشد الناس حسرة يوم القيامة؛ رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا؛ فلم يطلبه؛ ورجل علم علما؛ فانتفع به من سمعه منه؛ دونه " ؛ ابن عساكر ؛ عن أنس .


(أشد الناس حسرة) ؛ أي: تلهفا؛ (يوم القيامة: رجل أمكنه طلب العلم) ؛ الشرعي؛ (فلم يطلبه) ؛ لما يراه من عظم إفضال الله على العلماء العاملين؛ ومزيد رفعه لدرجاتهم؛ ولأن المصالح قسمان: روحانية؛ وجسمانية؛ وأشرف المصالح [ ص: 521 ] الروحانية: العلم الذي هو غذاء للروح؛ كالغذاء للبدن؛ وأشرف المصالح الجسمانية: تعديل المزاج؛ وتسوية البنية؛ فإذا انكشف له الغطاء بالخروج من هذا العالم؛ اشتدت ندامته؛ وتضاعفت حسرته؛ حيث آثر تعديل الفاني؛ وأهمل معاناة النافع الباقي؛ قال الماوردي : ربما امتنع من طلب العلم لتعذر المادة؛ وشغله بالاكتساب؛ ولا يكون ذلك إلا لذي شره رغيب؛ وشهوة مستعبدة؛ فينبغي أن يصرف للعلم حظا من زمانه؛ فليس كل الزمن زمن اكتساب؛ ولا بد للمكتسب من أوقات راحة؛ وأيام عطلة؛ ومن صرف كل نفس منه إلى الكسب؛ حتى لم يترك له فراغا لغيره؛ فهو من عبيد الدنيا؛ وأسراء الحرص؛ وربما منعه من العلم ما يظنه من صعوبته؛ وبعد غايته؛ ومخافة من قلة ذهنه؛ وبعد فطنته؛ وهذا الظن اعتذار ذوي النقص؛ وخشية أولي العجز؛ لأن الإخبار قبل الاختبار جهل؛ والخشية قبل الابتلاء عجز؛ (ورجل علم علما؛ فانتفع به من سمعه منه؛ دونه) ؛ لكون من سمعه عمل به؛ ففاز بسببه؛ وهلك هو بعدم العمل به؛ والحديث ناع على من أمكنه التعلم فتركه تقصيرا وإهمالا؛ ومن علم ولم يعمل؛ أو وعظ ولم يتعظ؛ فمن سوء صنيعه وخبث نفسه؛ وإن فعل فعل الجاهل بالشرع؛ والأحمق الخالي عن العقل.

(تنبيه) : خرج بكونه أمكنه طلب العلم؛ ما إذا لم يمكنه؛ لنحو بلادة خلقية؛ فإنه معذور؛ ولهذا قال حكيم: صقلك سيفا ليس له جوهر من سنخه؛ خطأ؛ وحملك الصعب المشق على الرياضة؛ غباوة؛ قال أبو تمام :


والسيف ما لم يلف فيه صيقل ... من سنخه لم ينتفع بصقال



( ابن عساكر ؛ عن أنس ) ؛ ابن مالك ؛ وقال: إنه منكر.

التالي السابق


الخدمات العلمية