التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
7166 - حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني ابن شهاب ، عن سهل -أخي بني ساعدة - أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله ؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد . [انظر : 423 - مسلم : 1492 - فتح: 13 \ 154 ] .


ثم ساق التلاعن في المسجد من حديث سهل بن سعد ، ساقه من طريقين : أحدهما : عن سفيان قال الزهري ، عن سهل بن سعد .

والثاني : عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب عن سهل ، فكأنه يرى أن قول الراوي (قال فلان ) دون قوله (عن فلان ) . كذا ساقهما .

والتعليق عن يحيى أخرجه ابن أبي شيبة ، عن ابن مهدي : ثنا عبد الرحمن بن قيس قال : رأيت يحيى بن يعمر يقضي في المسجد .

والتعليق عن شريح غريب ، وفي ابن أبي شيبة روى عن وكيع ، عن سفيان ، عن الجعد بن ذكوان : أن شريكا كان إذا كان يوم مطر قضى في داره . وتعليق الحسن وزرارة أخرجه أيضا عن ابن مهدي ، عن المثنى بن [ ص: 502 ] سعيد قال : رأيت الحسن وزرارة فذكره . قال : وحدثنا ابن مهدي ، عن ابن أبي عتبة قال : رأيت الحسن يقضي في المسجد ، وقضاء مروان أخرجه وكيع بن الجراح في "مصنفه " عن هشام بن عروة عن أبيه قال : شهدت مروان فذكره .

الشرح :

سياق البخاري هذه الآثار ليسهل على عمل من تقدم من القضاة ، وقد استحب القضاء في المسجد طائفة منهم شريح والحسن البصري والشعبي وابن أبي ليلى ، وقال مالك : القضاء في المسجد من أمر الناس القديم ؛ لأنه يرضى فيه بالدون ويصل إليه المرأة والضعيف ، وإذا احتجب لم يصل إليه الناس ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وكرهته طائفة وقالت : القاضي يحضره الحائض والذمي وتكثر الخصومات بين يديه ، المساجد تجنب ذلك ، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن : أن لا يقضي في المسجد فإنه يأتيك الحائض والذمي . وقال الشافعي : أحب إلي يقضي في غير المسجد ؛ لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد .

[ ص: 503 ] وحديث سهل حجة لمن استحب ذلك ، وعجبت من الإسماعيلي كونه قال في حديث الزهري عن سهل : ليس فيه ذكر المسجد ، فالمتنان واحد قطعهما البخاري ، وليس في اعتلال من اعتل بحضور الحائض والكافر مجلس الحكم حجة ؛ لأنه لا يعلم حجة يجب فيها منع الكافر من الدخول في المساجد سوى المسجد الحرام ، وقد قدم وفد ثقيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزلهم في المسجد وأخذ ثمامة بن أثال من بني حنيفة أسيرا وربط إلى سارية من سواري المسجد ، وليس في منع الحائض من دخول المسجد خبر يثبت ، وقد نظر داود - عليه السلام - بين (الخصمين ) اللذين وعظهما في المحراب وهو في المسجد ، وأما الأحاديث التي فيها النهي عن إقامة الحدود في المسجد فضعيفة .

فصل :

اختلف في الموضع الذي يجلس فيه للحكم على ثلاثة أقوال : فقال مالك في "المدونة " ما مضى ، وقال في كتاب ابن حبيب : كان من مضى من القضاة يجلسون في رحاب المسجد خارجا إما عند موضع الجنائز ، وإما في رحبة دار مروان ، وما كانت تسمى إلا رحبة القضاء ، قال مالك : وإني لأستحب ذلك في الأمصار من غير تضييق ؛ ليصل إليه اليهودي [ ص: 504 ] والنصراني والحائض والضعيف ، وهو أقرب إلى التواضع ، وحيثما جلس القاضي المأمون فهو جائز ، وقال ابن حبيب : لا بأس أن يقضي في منزله ، واستحسن بعض شيوخنا قوله : في رحابه . وقال ابن أبي زيد تصحيحا لقول مالك : يقضي في المسجد ؛ لقوله تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب [ص : 21 ] .

فصل :

سهل بن سعد الساعدي كنيته أبو العباس ، أنصاري مدني ، مات سنة ثمان وثمانين .

فصل :

حضوره يحتمل وجهين : أحدهما : أن يدعى لذلك فيحتمل أن يخص به ؛ لصغره لما يرجى من طول عمره لئلا يذهب من شاهد ذلك ، والثاني : أن يكون من غير استدعاء .

فصل :

يغلظ في اللعان بالزمان والمكان وهي سنة عندنا لا فرض على الأصح ، وقال مالك بالتغليظ ، وأيضا منع أبو حنيفة وروى ابن كنانة عن مالك يجزئ في المال العظيم والدماء .

[ ص: 505 ] وزمن اللعان بعد العصر عندنا ، وعند المالكية إثر الصلاة ، وعن بعضهم كمذهبنا ؛ لاختصاص العصر بالملائكة -أعني : ملائكة الليل والنهار . وروى ابن حبيب ، عن المطرف وابن الماجشون : لا يحلف بإثر الصلوات إلا في الدماء واللعان ، وأما في الحقوق ففي أي وقت ، وقاله ابن القاسم . وروى ابن كنانة ، عن مالك : يحلف في ربع دينار وفي القسامة واللعان على المنبر ، فيقول : بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، كانت يمين واحدة أو أيمان متكررة . وقال ابن حبيب ، عن مطرف وابن الماجشون : إن اليمين في ذلك كله بالله الذي لا إله إلا هو خاصة ، زاد ابن المواز : والحر والعبد في ذلك سواء ، وهو المشهور من قول مالك ، وقاله ابن القاسم .

فصل :

في حديث سعد : التجوز في السؤال ، وذلك يدل على علم السائل ؛ لأنه لم يصرح باسم الرجل سترا عليه وعلى المرأة حتى يرى ما يكون الحكم فيه .

وفيه : أن الرجل إذا لم يسم المقذوف لا يتعلق به (حق ) القذف .

فرع : اختلف متى يقع الفراق في اللعان : فقال مالك وابن القاسم : بنفس اللعان ولا يحل له أبدا ، وقال ابن أبي صفرة : اللعان لا يرفع العصمة حتى يوقع (الرجل ) الطلاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية