التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
487 [ ص: 59 ] 100 - باب: يرد المصلي من مر بين يديه

ورد ابن عمر في التشهد وفي الكعبة وقال: إن أبى إلا أن تقاتله، فقاتله.

509 - حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا يونس، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، أن أبا سعيد قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا حميد بن هلال العدوي قال: حدثنا أبو صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان ". [3274 - مسلم: 505 - فتح: 1 \ 581]


كذا وقع: (وفي الكعبة)، وفي بعضها: والركعة، وعليها مشى ابن بطال في "شرحه"، وهو أشبه كما قال القابسي، والآخر صحيح أيضا، فإن أبا نعيم وغيره روي عنه أنه كان يرد في الكعبة أيضا.

وهذا سياقه في كتاب الصلاة: حدثنا عبد العزيز بن الماجشون، عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة، فلا يدع أحدا يمر بين يديه يبادره قال: يرده، حدثنا فطر بن خليفة، ثنا عمرو بن دينار، قال: مررت بابن عمر بعد ما جلس في آخر صلاته؛ حتى أنظر ما يصنع،

[ ص: 60 ] فارتفع من مكانه، فدفع في صدري.

وقال ابن أبي شيبة: أنا ابن فضيل، عن مطر، عن عمرو بن دينار، قال: مررت بين يدي ابن عمر وهو في الصلاة فارتفع من قعوده ثم دفع في صدري.

وفي كتاب "الصلاة" لأبي نعيم: فأبهرني بتسبيحه؛ وفي حديث يزيد الفقير: صليت إلى جنب ابن عمر بمكة، فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه.

وهو حديث أخرجه مسلم أيضا، وذكر المسند منه في صفة إبليس قال الإسماعيلي: جمع أبو عبد الله - يعني: البخاري - بين الحديثين، وذكر لفظ سليمان بن المغيرة، وليس في حديث يونس ذكر السترة، وفيه الإطلاق للدفع إذا مر في غير سترة. وفي حديث سليمان: ودفعه إذا كان إلى سترة. وفي هذا تجوز.

قال: وقد تابع يونس سليمان بن حيان عن حميد في المسند منه.

وأرسله خالد الواسطي، عن يونس، عن حميد، عن أبي سعيد، ولم يذكر أبا صالح.

وقوله في الحديث: (فإذا شاب من بني أبي معيط). جاء في النسائي: فأراد ابن لمروان أن يمر بين يديه. وهذا الأبن هو داود كما نبه عليه ابن الجوزي في "تلقيحه".

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:

[ ص: 61 ] أحدها:

الحديث عام في كل ما يستره من جماد وحيوان، إلا ما ثبت المنع من استقباله من آدمي أو ما أشبه الصنم المصمود إليه وما في معنى ذلك.

وقد ذكره بعض الفقهاء، وكرهه مالك في المرأة.

وقال المتولي: لو يستر بآدمي أو حيوان لم يستحب له ذلك؛ لأنه يشبه عبادة من يعبد الأصنام. وقال الشافعي في البويطي: لا يستر بامرأة ولا دابة.

وأما قوله: في المرأة. فظاهر لشغل الخاطر. وأما الدابة فقد سلف ما يرد عليه في بابه. ولعل الشافعي لم يبلغه، وهو صحيح، ولا معارض له. وإذا صلى إلى سترة، فالسنة أن يجعلها مقابل يمينه أو شماله، ولا يصمد له، أي: يجعلها تلقاء وجهه.

ثانيها:

قضية الأمر بالدفع الوجوب، لكنه أمر ندب. وجاء في رواية لمسلم: "فليدفعه في نحره".

[ ص: 62 ] ثالثها:

هذا لمن لم يفرط في ترك السترة، فإن فرط أو تباعد عنها على قدر المشروع فلا كراهة، ولا دفع لتقصيره، ولا يجوز للمصلي المشي إليه للدفع.

رابعها:

المراد بالمقاتلة: قوة المنع له على المرور بحيث لا تنتهي إلى الأعمال المنافية للصلاة، ودفعه بالأخف فالأخف كالصائل؛ لاحتمال سهوه، فلو اتفق هلاكه فلا قود عليه باتفاق، وفي الدية خلاف. وأبعد من قال: المراد فليؤنبه بعد الصلاة.

خامسها:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ("فإنما هو شيطان") أي: إن امتناعه من الرجوع عن المرور من أفعال الشيطان.

وقيل: المراد به: القرين كما في الحديث: "فإن معه القرين".

وفيه دلالة على أن من فتن في الدين يطلق عليه ذلك، ولا حجر فيه، وأن العمل القليل في الصلاة لمصلحتها غير ضار.

وفيه: دلالة أيضا على أن الحكم للمعاني لا للأسماء بخلاف ما ذهب إليه أهل الظاهر في نفيهم القياس، إذ يستحيل أن يصير المار بين يدي المصلي شيطانا بمروره.

وقد أوضحت الكلام على هذا الحديث في "شرح العمدة"، فراجعه منه.

وأوجب السترة أحمد.

[ ص: 63 ] وفي "صحيح الحاكم" من حديث ابن عمر مرفوعا: "لا تصلوا إلا إلى سترة، ولا تدع أحدا يمر بين يديك".

وفي الخط حديث من طريق أبي هريرة سلف، اختلف فيه، أشار الشافعي إلى ضعفه، وصححه ابن حبان وغيره، وفي إسناده اضطراب، واستحبها الثلاثة. وأغرب من نقل عن القديم بطلان الصلاة بالدفع.

وقوله: (فلم يجد مساغا) يعني: طريقا يمكنه المرور منها. يقال: ساغ الشراب في الحلق: سلس. وساغ الشيء: طاب.

فرع: لو جاز بين يديه وأدركه ففي رده قولان لأهل العلم: وبالرد قال ابن مسعود، وسالم، والحسن. وبالمنع قال الشعبي؛ لأن ردوده مرور ثان، ولا وجه له، وهو قول مالك، والثوري، وإسحاق.

التالي السابق


الخدمات العلمية