صفحة جزء
3942 3943 3944 ص: حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس ، قال : " أتيت النبي - عليه السلام - بجمع ، ، فقلت : يا رسول الله ، هل لي من حج وقد أنضيت راحلتي ؟ فقال : من صلى معنا هذه الصلاة وقد وقف معنا قبل ذلك [و] أفاض من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" .

حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، قال : ثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، وإسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي . وزكرياء ، عن الشعبي . وداود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا حامد بن يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، وابن أبي هند ، عن الشعبي ، وزكرياء عن [ ص: 498 ] الشعبي ، قال : سمعت عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي يقول : " أتيت رسول الله - عليه السلام - بمزدلفة ، ، فقلت : يا رسول الله جئت من جبلي طيئ ، ، ووالله ما جئت حتى أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي ، وما تركت حبلا رملا من هذه الحبال إلا وقد وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بالمزدلفة ، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" . .

قال سفيان : وزاد زكرياء فيه - وكان أحفظ الثلاثة لهذا الحديث - قال : "قلت : يا رسول الله ، أتيت هذه الساعة من جبلي طيئ ، ، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي فهل لي من حج ؟ فقال : من شهد معنا هذه الصلاة ، ووقف معنا حتى نفيض ، وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة ، من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه" . . .

قال سفيان : وزاد داود بن أبي هند : " ، قال : أتيت رسول الله - عليه السلام - حين برق الفجر . . . " ، ثم ذكر الحديث .


ش: هذه ثلاث طرق صحاح :

الأول : عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي أيضا ، عن يزيد بن هارون الواسطي شيخ أحمد ، روى له الجماعة .

عن إسماعيل بن أبي خالد هرمز أو سعد البجلي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة ، روى له الجماعة .

عن عامر الشعبي روى له الجماعة .

عن عروة بن مضرس - بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة وفي آخره سين مهملة - بن أوس بن حارثة بن لام الطائي الصحابي ، شهد مع النبي - عليه السلام - حجة الوداع ، قال ابن المديني : لم يرو عنه غير الشعبي .

وأخرجه الأئمة الأربعة على ما نذكره .

[ ص: 499 ] وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في "مصنفه" : ثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس الطائي : "أنه حج على عهد النبي - عليه السلام - فلم يدرك الناس إلا وهم بجمع ، قال : فأتيت النبي - عليه السلام - ، فقلت : يا رسول الله ، أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي ، والله ما نزلت حبلا من الحبال إلا وقد وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : من صلى معنا هذه الصلاة وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا ، فقد قضى تفثه وتم حجه" .

الثاني : عن ابن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن عبد الله بن أبي السفر - بفتح السين المهملة وفتح الفاء - واسمه سعيد بن محمد الثوري الكوفي ، روى له الجماعة ، وعن إسماعيل بن أبي خالد ، كلاهما عن عامر الشعبي ، عن عروة بن مضرس ، وعن زكرياء بن أبي زائدة ميمون الكوفي - أحد أصحاب أبي حنيفة ، روى له الجماعة ، عن الشعبي ، وعن داود بن أبي هند عن الشعبي .

والحاصل أن شعبة روى هذا الحديث عن هؤلاء الأربعة : عبد الله بن أبي السفر ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وزكرياء بن أبي زائدة ، وداود بن أبي هند ، وهؤلاء الأربعة قد رووه عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس .

أما رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي فقد أخرجها النسائي : أنا إسماعيل بن مسعود ، نا خالد ، عن شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام قال : "أتيت النبي - عليه السلام - بجمع ؛ فقلت : هل لي من حج ؟ فقال : من صلى هذه الصلاة معنا ، ووقف هذا الموقف حتى نفيض ، وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا ؛ فقد تم حجه وقضى تفثه" .

[ ص: 500 ] وأما رواية إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي فقد أخرجها الطحاوي كما ذكر ، وابن أبي شيبة أيضا .

وأما رواية زكرياء بن أبي زائدة ، عن الشعبي فقد أخرجها الترمذي : ثنا ابن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن داود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وزكرياء بن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس ابن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال : "أتيت رسول الله - عليه السلام - بالمزدلفة ، حتى خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله ، ما تركت من حبل إلا وقفت عليه ، هل لي من حج ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ؛ فقد تم حجه وقضى تفثه" .

وأما رواية داود بن أبي هند عن الشعبي فقد أخرجها الطبراني في "الكبير" : نا زكرياء بن يحيى الساجي ، ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن عروة بن مضرس قال : " [رأيت] رسول الله - عليه السلام - واقفا بالمزدلفة ، فقال : من صلى صلاتنا هذه ، ثم أفاض معنا ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا ؛ فقد تم حجه" .

الثالث : عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن حامد بن يحيى بن هان البلخي نزيل طرسوس وشيخ أبي داود عن سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر الشعبي .

ورواه سفيان بن عيينة أيضا عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، وعن زكرياء بن أبي زائدة عن الشعبي .

[ ص: 501 ] والحاصل أن ابن عيينة روى هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة ، وهؤلاء الثلاثة عن الشعبي .

وأخرجه الترمذي نحوه ، وقد ذكرنا آنفا .

قوله : "وابن أبي هند" بالرفع عطف على قوله : " إسماعيل بن أبي خالد " ، وكذلك قوله : "وزكرياء" بالرفع عطف عليه .

والحديث أخرجه أبو داود أيضا : عن مسدد ، قال : نا يحيى ، عن إسماعيل ، قال : نا عامر ، قال : أنا عروة بن مضرس الطائي ، قال : "أتيت النبي - عليه السلام - بالموقف - يعني بجمع - فقلت : يا رسول الله ، جئت من جبلي طي ، أكللت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : من أدرك معنا هذه الصلاة ، وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه" .

وأخرجه ابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ، كلاهما عن وكيع ، عن إسماعيل ، عن عامر الشعبي . . . إلى آخره نحوه .

ولما أخرجه الترمذي قال : هذا حديث حسن صحيح .

ويقال : إن الشيخين لم يخرجاه ؛ لأنه ليس على شرطهما ؛ لأن عروة بن مضرس لم يرو عنه غير الشعبي كما قاله ابن المديني .

قلت : فيه نظر ، فقد قال ابن الأثير : روى عنه ابنه أبو بكر والشعبي .

وقد قال الحكم : وقد أمسك عن إخراجه الشيخان محمد بن إسماعيل ومسلم [ ص: 502 ] بن الحجاج على أصلهما أن عروة بن مضرس لم يحدث عنه غير عامر الشعبي ، وقد وجدنا عروة بن الزبير بن العوام ، حدث عنه ، حدثنا عبد الصمد بن علي بن مكرم البزار ببغداد ، ثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن أحمد بن حسان التستري بتستر ، ثنا عبد الوهاب بن فليح المكي ، ثنا يوسف بن خالد السمتي البصري ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عروة بن مضرس الطائي قال : "جئت رسول الله - عليه السلام - وهو بالموقف ، فقلت : يا رسول الله ، أتيت من جبل طيئ ، أكللت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما بقي حبل من تلك الحبال إلا وقفت عليه ، فقال : من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني : صلاة الغداة - وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" .

قوله : "بجمع" . في محل النصب على الحال ، والباء فيه ظرفية ، أي أتيت النبي - عليه السلام - والحال أنه في جمع أي في المزدلفة .

قوله : "أنضيت راحلتي" . أي أهزلتها ، يقال : أنضى بعيره وينضيها إنضاء إذا أهزلها وجعلها نضوا ، والنضو : الدابة التي أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها ، ومادة هذه الكلمة نون وضاد معجمة وواو ، ويجوز فيه : أنضبت من النضب وهو التعب ، ولكن لا أدري هل هي رواية أم لا ؟

قوله : "أكللت راحلتي" أي أتعبتها وأعييتها ، من الإكلال ، من كل يكل كلالا ، يقال : كل السيف فهو كلل إذا لم يقطع .

قوله : "حبلا" . بالحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وهو المستطيل من الرمل ، وقيل : الضخم منه ، وجمعه : حبال ، وقيل : الحبال في الرمل كالجبال في غير الرمل .

قوله : "رملا" بالنصب تصير لقوله : "حبلا" .

قوله : "من جبلي طيئ " . وهما أجأ وسلمى .

قوله : "حين برق الفجر" . أي : أضاء وانتشر نوره .

[ ص: 503 ] قوله : "من صلى معنا هذه الصلاة" . أراد بها صلاة الغداة بالمزدلفة .

قوله : "وقد وقف معنا" . جملة حالية ، أي : والحال أنه قد وقف معنا بعرفات قبل ذلك .

قوله : "أفاض قبل ذلك" . جملة حالية أيضا بتقدير "قد" كما في قوله تعالى : أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت ، والتقدير : قد أفاض قبل وقوفه بالمزدلفة من عرفة ليلا أو نهارا .

قوله : "وقضى تفثه" . قال الترمذي : يعني نسكه ، والتفث بالتاء المثناة من فوق والفاء المفتوحتين ، والثاء المثلثة ما يفعله المحرم بالحج إذا حل كقص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ، وقيل : هو إذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقا . ويستفاد منه أحكام :

فرضية الوقوف بعرفة ؛ لأنه علق تمام الحج [بالوقوف] بها وجواز الوقوف بها ليلا ونهارا ؛ لأن وقته من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر .

ووجوب الوقوف بالمزدلفة على ما يأتي بيان الخلاف فيه إن شاء الله تعالى .

واستدلت به الظاهرية على أن صلاة الغداة بالمزدلفة مع الإمام من فروض الحج كالوقوف بعرفة .

وقال ابن حزم في "المحلى" : ومن لم يدرك مع الإمام بمزدلفة صلاة الغداة فقد بطل حجه إن كان رجلا ، ثم استدل على ذلك بحديث عروة بن مضرس هذا .

قلنا : ظاهر الحديث متروك بالإجماع ، ألا ترى أنهم أجمعوا على أن من وقف بالمزدلفة ليلا إذا دفع منها قبل الصبح أن حجه تام ؟ فلو كان حضور الصلاة مع الإمام فرضا من فرائض الحج ما أجزأه ، فلم يبق إلا أنه من سنن الحج .

[ ص: 504 ] وأجمعوا أيضا أن قوله : "نهارا" أن الوقوف بالنهار لا يضره إن فاته ؛ لأن السائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل ، فأعلمه - عليه السلام - أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره ، لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل ، وقال أبو الفتح : معناه : ليلا ، أو نهارا وليلا ، فسكت عن أن يقول : وليلا لعلمه بما قدم من فعله ، فكأنه أراد بذكر النهار إيصال الليل ، قال : ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى "الواو" ، فكأنه قال : ليلا ونهارا .

قلت : فيه نظر ؛ لأن "أو" لو كان بمعنى "الواو" لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا لم يغن أحدهما عن صاحبه وهذا لا يقوله أحد ، وجماعة العلماء يقولون : من وقف بعرفة ليلا أو نهارا بعد الزوال من يوم عرفة أجزأه إلا مالك بن أنس فإنه انفرد بقوله : لا بد من الوقوف بجزء من الليل مع النهار ، حتى قال مالك : من دفع من عرفة قبل الغروب فعليه الحج قابلا [إلا] أن يعود إليها قبل الفجر ، فإن عاد فلا دم عليه .

وقال سائر العلماء : من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل الغروب .

وقال الشافعي : فإن عاد حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه وإن لم يرجع حتى طلع الفجر أجزأه وأهراق دما .

وقاله أحمد وإسحاق والطبري وداود وعامة العلماء إلا الحسن البصري وابن جريج قالا : لا يجزئه إلا بدنة ، وقال الثوري وأبو حنيفة : إذا أفاض من عرفة قبل الغروب أجزأه وعليه دم ، وإن رجع بعد الغروب لم يسقط عنه الدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية