صفحة جزء
5972 - حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، ويونس بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يكره أن يكري الرجل الأرض من أخيه بالثلث والربع .

فأما وجه هذا الباب من طريق النظر فإن ذلك كما قد قاله أهل المقالة الأولى : إن ذلك لا يجوز في المزارعة ، والمعاملة ، والمساقاة إلا بالدراهم ، والدنانير ، والعروض .

وذلك أن الذين قد أجازوا المساقاة في ذلك زعموا أنهم قد شبهوها بالمضاربة ، وهي المال يدفعه الرجل إلى الرجل على أن يعمل به على النصف أو الثلث أو الربع ، فكل قد أجمع على جواز ذلك ، وقام ذلك مقام الاستيجار بالمال المعلوم .

قالوا : فكذلك المساقاة تقوم النخل المدفوعة مقام رأس المال في المضاربة ، ويكون الحادث عنها من التمر مثل الحادث عن المال من الربح .

[ ص: 116 ] فكانت حجتنا عليهم في ذلك أن المضاربة إنما يثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال ، ووصوله إلى يدي رب المال ، ولم ير المزارعة ولا المساقاة فعل ذلك فيهما .

ألا ترى أن المساقاة في قول من يجيزها لو أثمرت النخل فجر عنها الثمر ، ثم احترقت النخل ، وسلم الثمر ، كان ذلك الثمر بين رب النخل ، والمساقي على ما اشترطا فيها .

ولم يمنع من ذلك عدم النخل المدفوعة كما يمنع عدم رأس المال في المضاربة من الربح .

وكانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا لا إلى وقت معلوم كانتا فاسدتين ، ولا تجوزان إلا إلى وقت معلوم .

وكانت المضاربة تجوز لا إلى وقت معلوم ، وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال مضاربة من العمل بذلك متى أحب ، ولا يجبر على ذلك ، وقد كان لرب المال أيضا أن يأخذ المال من يده متى أحب ، شاء ذلك المضارب أو أبى .

وليست المساقاة ، ولا المزارعة كذلك ؛ لأنا رأينا المساقي إذا أبى العمل بعد وقوع عقد المساقاة أجبر على ذلك ، وإن أراد رب النخل أخذها منه ونقض المساقاة ، لم يكن ذلك له حتى تنقضي المدة التي قد تعاقدا عليها .

فكان عقد المضاربة عقدا لا يوجب إلزام واحد من رب المال ولا من المضارب ، وإنما يعمل المضارب بذلك المال ما كان هو ورب المال متفقين على ذلك .

وكانت المساقاة يجبر على الوفاء بما يوجبه عقدها كل واحد من رب النخل ومن المساقي .

وأشبهت المضاربة الشركة فيما ذكرنا ، وأشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا .

ثم إنا قد رجعنا إلى حكم الإجارة كيف ؟ لنعلم بذلك كيف حكم المساقاة التي قد أشبهتها من حيث ما وصفنا .

فرأينا الإجارات تقع على وجوه مختلفة .

فمنها إجارات على بلوغ مساقاة معلومة بأجر معلوم فهي جائزة ، وهذا وجه من الإجارات .

ومنها ما يقع على عمل معلوم مثل خياطة هذا القميص وما أشبه ذلك بأجر معلوم فيكون ذلك أيضا جائزا .

ومنها ما يقع على مدة معلومة كالرجل يستأجر الرجل على أن يخدمه شهرا بأجر معلوم فذلك جائز أيضا .

فاحتيج في الإجارات كلها إلى الوقوف على ما قد وقع عليها منها العقد ، فلم يجز في جميع ذلك إلا على شيء معلوم ، إما مساقاة معلومة ، وإما عمل معلوم ، وإما أيام معلومة ، وقد كانت هذه الأشياء المعلومة في نفسها لا يجوز أن يكون أبدالها مجهولة بل قد جعل حكم أبدالها كحكمها .

فاحتيج أن تكون معلومة كما أن الذي هو بدل من ذلك يحتاج أن يكون معلوما ، وقد كانت المضاربة [ ص: 117 ] تقع على عمل بالمال غير معلوم ، ولا إلى وقت معلوم ، فكان العمل فيها مجهولا ، والبدل من ذلك مجهول .

فقد ثبت في هذه الأشياء التي وصفنا من الإجارات والمضاربات أن حكم كل واحد منها حكم بدله .

فما كان بدله معلوما فلا يجوز أن يكون في نفسه إلا معلوما ، وما كان في نفسه غير معلوم فجائز أن يكون بدله غير معلوم .

ثم رأينا المساقاة ، والمزارعة ، والمعاملة ، لا يجوز واحدة منها إلا إلى وقت معلوم في شيء معلوم .

فالنظر على ذلك أن لا يجوز البدل منها إلا معلوما ، وأن يكون حكمها كحكم البدل منها ، كما كان حكم الأشياء التي ذكرنا من الإجارات والمضاربات حكم أبدالها .

فقد ثبت بالنظر الصحيح أن لا تجوز المساقاة ولا المزارعة إلا بالدراهم ، والدنانير ، وما أشبههما من العروض .

وهذا كله قول أبي حنيفة رضي الله عنه في هذا الباب .

وأما أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهما الله فإنهما قد ذهبا إلى جوازهما جميعا ، وتركا النظر في ذلك ، واتبعا ما قد روينا في هذا الباب من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه بعده ، وقلداها في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية