صفحة جزء
6098 - حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عكرمة : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ، قال : نسختها هذه الآية : وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم .

وقال الآخرون : تأويلها ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت ) ، فلما اختلف في تأويل هذه الآية ، وكانت الآثار قد دلت على ما ذكرنا ثبت الحكم عليهم على إمام المسلمين ، [ ص: 143 ] ولم يكن له تركه ؛ لأن في حكمه النجاة في قولهم جميعا ؛ لأن من يقول : عليه أن يحكم يقول : قد ترك ما كان عليه أن يفعله .

ومن يقول : له أن لا يحكم يقول : قد ترك ما كان له تركه ، فإذا حكم يشهد له الفريقان جميعا بالنجاة ، وإذا لم يحكم لم يشهدا له بذلك .

فأولى الأشياء بنا أن نفعل ما فيه النجاة بالاتفاق دون ما فيه ضد النجاة بالاختلاف .

وهذا الذي ذكرنا من وجوب الحكم عليهم قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

فإن قال قائل : فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم .

قيل له : إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى عليه السلام هو الرجم على المحصن وغير المحصن .

وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد الزاني في كتابهم ، فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكان على النبي صلى الله عليه وسلم اتباع ذلك ، والعمل به ؛ لأن على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان قبله حتى يحدث الله شريعة تنسخ شريعته ؛ قال الله تعالى : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ؛ فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين على ذلك الحكم ، ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن .

ثم أحدث الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم شريعة فنسخت هذه الشريعة ؛ فقال : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا .

وكان هذا ناسخا لما كان قبله ، ولم يفرق في ذلك بين المحصن وغير المحصن .

ثم نسخ الله تعالى ذلك فجعل الحد هو الإيذاء بالآية التي بعدها ، ولم يفرق في ذلك أيضا بين المحصن وغيره .

ثم جعل لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة ، وتعذيب عام ، والثيب جلد مائة ، والرجم .

فرق حينئذ بين حد المحصن وحد غير المحصن الجلد ، ثم اختلف الناس من بعد في الإحصان .

فقال قوم : لا يكون الرجل محصنا بامرأته ، ولا المرأة محصنة بزوجها حتى يكونا حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان في نكاح صحيح .

وممن قال بذلك : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية